الداعية الشيخ عبدالله السويلم تحدث مطلع هذا الأسبوع عن مناصحته لعضوة القاعدة هيلة القصير، ووصفها بأنها «امرأة بسيطة جداً وكانت تحمل بعض الأفكار بعد مقتل زوجها فتولد عندها شيء من الضغوط النفسية وحب الانتقام وحب التشفي، وألبست ذلك بملبس الجهاد حتى يأخذ مجراه الشرعي»، ثم وصف فعلها أو أحاله إلى ما يسمى «أسلمة الإجرام». وبعيداً عن القضية بذاتها التي تناولها المتخصصون والمتابعون لملف القاعدة، اقترب من أوصاف الشيخ لحال المذكورة، وهي أوصاف لا تنفي إجرامها، وخطرها، ولاحظوا كلمات مثل، الضغوط النفسية، حب الانتقام، حب التشفي، والكلمة أو المصطلح الأعمق «أسلمة الإجرام». ترتبط هذه الكلمات في ذهني مع بعض إحساس لدى الكثيرين أن كثيراً ممن يقومون بهذه «الحماقات» ليسوا مدفوعين بوازع ديني، ولا حتى سياسي، خصوصاً عندما يكون الحديث عن التابعين الصغار، المنفذين على أرض الميدان، الذين يتخلصون من أرواحهم، وهم في الحقيقة يتخلصون من حياتهم، بأقسى قمع للذات يمكن تصوره. «المكبوتون»، يزيدهم المحرض، حنقاً، ويشعل فيهم لذة الخلاص من الكبت، والحصول على جوائز غيبية، في ثنائية نفسية أكدها صغر سن المنفذين الميدانيين، أو قصور معرفتهم وتجربتهم الحياتية. إن إحدى مشكلات الشباب هي التنفيس، التنفيس عن كل شيء، فإذا كان مصيباً بالكاد وجد متنفساً، وإذا كان مخطئاً في العرف الاجتماعي استمرت الضغوط حتى ينفجر، وهنا المربط الذي يجعل الجناة ينساقون إلى دعاة الفئات الضالة، أو إلى عصابات الإجرام، أو حتى إلى مجموعات تصنيفها أقل وخطرها محدود، لكن تظل في سياقها الجمعي خطراً على الأمة ومقدراتها. لا أعلم كثيراً في علم النفس، لكن الإرهابية أعلاه لو كانت تعيش في انفتاح فكري، وبيئة تستطيع استيعاب حزنها وغضبها، ويمكن أن تساعدها على تفجير طاقاتها، ربما، وأقول ربما كانت الحال غير الحال. في أواخر الثمانينات، قبضت الشرطة على «شلة» شباب أعرف واحداً منهم، وينتمون إلى أسر متوسطة وطبيعية الظروف، قاموا بتكسير زجاج إحدى السيارات، وبعد 20 عاماً سألت أحدهم: لماذا فعلتم ذلك؟ ما الذي كان يجول في خاطركم؟ فأجابني بأنه صدقاً لا يعرف أو يذكر سبباً محدداً، فكل المسألة طاقة كبيرة، وفراغ أكبر وملل من برامج روتينية وحياة لا تساعد على التنفيس. مع الفارق الاستشهادي، إلا أن كلام الشيخ السويلم يثير شجوناً اجتماعية ومجتمعية، هي محركات أساسية في مسيرة مكافحة الإرهاب، لأن فيها تشخيصاً عاماً لأحوال خاصة، وإذا كان الفكر الضال يستغل الثغرات النفسية والاجتماعية ل«أسلمة الإجرام»، فإن علينا نحن سدها، أو بعبارة أفضل علينا أن نبني المجتمع ونفسيات الشباب من الجنسين من دون ثغرات يمكن النفاذ منها. [email protected]