مباراة كأس العالم لكرة القدم التي تبدأ هذا الأسبوع في جنوب أفريقيا مناسبة سعيدة واحتفال عالمي كبير مرحب به في ظل كوارث السياسة والاقتصاد والبيئة في العالم. فهي مناسبة لتحويل الأنظار موقتاً عن مآس سياسية في كل أنحاء العالم، ولكنها أيضاً أصبحت كبقية المباريات الرياضية العالمية تحقق مكاسب مالية وتجارية لكل ما يتعلّق بالرياضة وأبطالها. ففريق «أنترميلان» الإيطالي له لباسه وأعلامه وقمصانه وكل معالم الفريق تحمل أسماء اللاعبين وتباع بأسعار خيالية لأنها تحمل اسم مورينو أو غيره من اللاعبين. وعشية المباراة كانت محال ملابس الرياضة على جادة الشانزيليزيه الباريسية تبيع القمصان وعليها أسماء اللاعبين الفرنسيين بأسعار خيالية. أما بائعو التلفزيونات في فرنسا فيهللون لأنهم باعوا 250 ألف جهاز تلفزيون إضافي بشاشة مسطحة لمتابعة المباراة. أما أرباح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من عائدات المباريات فتصل الى حوالى 2.6 بليون يورو منها 1.6 بليون بفضل عقود بث المباراة على قنوات التلفزيون. فمثلاً دفعت القناة الأولى للتلفزيون في فرنسا 120 مليون يورو لبث المباراة، وأسعار الإعلانات خلال البث تختلف بحسب المباراة والمشاركة فيها، وبحسب الصحف الفرنسية تتضاعف اسعار الإعلانات خلال البث اذا بقي الفريق «الأزرق» الفرنسي في المباراة. هذا فقط لفرنسا فماذا عن بقية دول العالم من أوروبا الى الولاياتالمتحدة الى دول آسيا والدول العربية؟ وهناك ايضاً اختيار الشركات التجارية لنجوم اللعب في كرة القدم كما في كرة المضرب والرياضات الأخرى التي دخلت أيضاً في خانة التجارة والصورة التجارية العالمية لصانعي اللباس الرياضي والأحذية. فشركة «أديداس» المعروفة للأحذية والألبسة الرياضية تحاول بحسب الصحف الحصول على لباس 12 فريقاً أما «نايكي» فهي تنافس على 9 فرق و «بوما» على سبعة. صحيح أن الرياضة ومباراة كرة القدم احتفال عالمي يجب الترحيب به وتشجيع الرياضة، إلا أن خفايا العمليات التجارية التي تواكب هذه المباريات قد تطرح تساؤلات كبرى عن الموازنات والمبالغ التي توضع لأهداف تسويق تجارية لا فائدة منها على صعيد إنعاش فعلي وعملي للرياضة في كل أنحاء العالم. فلا شك في أن الرياضة على أنواعها المختلفة من أفضل المناهج التربوية، وينبغي أن تشجع في كل المجتمعات حتى أن المجتمعات المتقدمة مثل الأوروبية تفكر في تكريس فترة بعد الظهر من كل يوم مدرسي للرياضة. ووزيرة التعليم في فرنسا تفكر في ذلك بعد أن قامت المدارس الأميركية باعتماد هذا النهج لتلاميذها. ولكن هناك فارق كبير بين تشجيع الرياضة في المدارس وجعلها ركناً أساسياً في المناهج المدرسية وبين تحويلها الى مصدر عائدات وركن أساسي في عملية التسويق التجاري الذي كثيراً ما تبالغ في الأرباح والاستفادة. فنجوم المباريات تحق لهم المكاسب الكبرى والأرباح لأنهم بذلوا جهداً لا مثيل له في حياتهم اليومية للوصول. إلا أن كل ما يحيط بهم من عمليات تجارية وتسويقية ليس دائماً لمصلحة الرياضة التي تنسجم مع المثل الأخلاقية العليا. أما عندما تدخل السياسة أيضاً في الرياضة فهذا يمسّ بالروح التي ترمز إليها الرياضة. ولسوء الحظ فكثيراً ما تدخل المناورات السياسية في الرياضة، فمثلاً تحظى وزيرة الرياضة في فرنسا، وهي سيدة جميلة اسمها رما ياد بشعبية كبرى، وانتقدت قبل أربعة أيام من مباراة كأس العالم فخامة الفندق الذي يقيم فيه الفريق «الأزرق» الفرنسي، وقالت إن الهدر في وقت الأزمة الاقتصادية مستغرب من فريق فرنسا الذي اختار فندقاً سعر الغرفة فيه 580 يورو لليلة الواحدة. إلا أن الفريق موجود في الفندق نفسه منذ أشهر ولم تقل شيئاً من قبل. واختارت الآن توجيه أنظار الشعب الفرنسي الى ذلك من اجل انتقاد لا فائدة منه إلا لها من الناحية السياسية. فلنفرح بمباريات كأس العالم لكرة القدم ونحيي روح الرياضة العالمية والتسويق التجاري و «البزنس» ولنتمتع بمباراة عالمية منعشة!