انخرطت مجموعة لوموند - وهي تضم الى الصحيفة اليومية وموقعها على الانترنت مجلات «لافي» و «تيليراما» و «كورييه انترناسيول» و «لوموند ديبلوماتيك» ومطبعة لوموند - منذ أسابيع في عملية تجديد رسملة. وينبغي أن تخلص العملية هذه، حوالى منتصف حزيران (يونيو)، الى اختيار شريك جديد، مستثمر واحد أو جماعة مستثمرين، يشتري حصة غالبة من مجموعتنا. لماذا مثل هذا الإجراء؟ وهو انعطاف في تاريخ «لوموند» التي كان صحافيوها أصحاب الأسهم الغالبين منذ نحو ستة عقود؟ والحق ان تجديد الرسملة كان متوقعاً ومعلناً حين اضطلعت، مع نائب رئيس الإدارة، برئاسة المجموعة في كانون الثاني (يناير) 2008، وكان على «لوموند»، مذ ذاك، إصلاح ماليتها ودعم مواردها الخاصة، والنهوض بأعباء مالية ثقيلة زادتها أزمة سوق الإعلانات الحادة ثقلاً على ثقل. فاشتكت الصحيفة من أعباء على موازنتها قادتها، العام الماضي، الى اقتراض 25 مليون يورو من مصرف باريس الوطني، في المرتبة الأولى، والى رهن مجلة «تيليراما» ضماناً للقرض. واشترط الدائنون تجديد رسملة المجموعة. وهناك سبب ثانٍ للإجراء هو ان المجموعة أصدرت، في 2005، سندات تسددها بواسطة أسهم بلغت قيمتها 96 مليون يورو، الى دائنيها (بوبليسيس و «لاستامبا» ومصرف باريس الوطني، على وجه الخصوص). وخير الدائنون المجموعة إما التسديد بحسب شروط معينة وإما تحويل الدين رأس مال، بعضه في 2012 وبعضه الآخر في 2014، وعلى رغم ثقل الماضي، يبدو الأفق أكثر انفراجاً منه قبل عامين، حين كان دوام صدور الصحيفة مهدداً جراء أزمة تدبير خطير. وفي 2009، وهي أسوأ سنة شهدتها عوائد الإعلام من غير قياس، كان ميزان مجموعتنا ايجابياً، وبلغ الفائض فوق مليوني يورو بقليل. وهذا قرينة على دينامية تحريرية، وعلى عودة الى إدارة رشيدة. وغداة خطة اجتماعية أليمة اضطلعت بها الشركة الناشرة، وصرفت بموجبها 130 عاملاً بينهم 70 صحافياً، وبعد النزول عن امتيازات وأصول خاسرة («ليه كاييه دي سينما»، ومطبعة فلوروس، عمدت «لوموند» الى استثمار مواردها في العمل الصحافي وموادها الأولى، الإعلام العام والثقافي، وقربت الموقع الإلكتروني من الصحيفة، ورعت التعاون بين المطبوعات («لافي» و «لوموند»)، وأطلقت عنواناً جديداً («إم لومونسوييل»)، وجددت عددها الأسبوعي وملحقاتها، ووسّعت لائحة مشتركيها، وخصت لائحة مشتركي «تيليراما» بالعناية. وعقلنت المجموعة ممتلكاتها العقارية، وخدماتها الإدارية والعامة، وسعت في تقليص النفقات وزيادة الفاعلية. وأتت الجهود هذه ثمرة لا تنكسر، وانما ينبغي المداومة عليها في سبيل بلوغ ادارة جيدة. فاستقلال جماعة صحافية هو رهن نتائجها، وعلى المجموعة أن تجني ربحاً، وتستثمره في قلب عملها، لضمان استقلال حقيقي. فلن يغامر مستثمر بتوظيف عشرات الملايين من اليورو إذا هو لم يتيقن من طاقة عناويننا ومواقعنا على التجدد. وأعلنت مجموعة لاغاردير، وهي تملك 17 في المئة من رأس مال مجموعة لوموند منذ 2005 (و34 في المئة من الفرع الرقمي). انها لا تنوي الإسهام في تجديد الرسملة. وبعض علامات الاهتمام بلغتنا من مستثمرين ذوي مكانة، وبعضهم قريبون من «لوموند» ومنخرطون في الصحافة، شأن مجموعة لونوفيل أوبسرفاتور التي تملك الأسبوعية ودوريات أخرى، والمجموعة الإسبانية بريزا ناشرة الصحيفة اليومية «إل باييس». وأبدى ثلاثة مستثمرين هم: المقاول بيار بيرجيه والمصرفي ماثيو بيغاس وكزافييه نييل، مؤسس «فري» والناشط في شبكة الاتصالات الإلكترونية...، أبدوا اهتمامهم بالمشاركة في الرسملة المزمعة. وقد يترجم المهتمون اهتمامهم الى عروض يتولى بتّها المساهمون. ويعود الى الإدارة اقتراح ما تراه مناسباً ومؤاتياً لتثبيت مجموعتنا وضامناً لتماسكها. والفصل في الأمر، واختيار اسم المستثمر وصيغته، هو صلاحية أهل الصحيفة. والحق أن تجديد الرسملة يطوي صفحة من تاريخ الصحيفة. فمنذ 1915 الى اليوم، تعهد المحررون استقلالها ومراقبة ادارتها ونهجها. وتخسر شركة محرري «لوموند»، أياً كان المستثمر الأغلبي أو الأكثري القادم، دورها هذا، وتنزل عنه الى المستثمر. وتلافياً للخفة والتسرع، يهتدي العاملون في اختيارهم الشريك الجديد بمعايير واضحة. الأول يتعلق بمضمون العناوين، ويقضي بألا يتدخل الشريك في المضمون، بينما فرنسا على أبواب الانتخابات الرئاسية في 2012. ورجحان المضمون وصدقه وقيمته تضمنها حرية هيئات التحرير، وعملها من غير ايحاءات. وعلى الشريك المزمع جمع الأموال التي يحتاجها اصلاح مالية الصحيفة ويقتضيها توسعها، على وجه العموم، وحفاظها على دائرتها الحالية ومواقعها وملحقاتها. ولا شك في ان على المرشح اعلان نواياه في شأن الجوانب الاجتماعية من سياسته وإدارته. واقتراع أصحاب الأسهم في 14 حزيران (يونيو) يفترض علمهم وإحاطتهم بشروط المرشحين وعروضهم قبل هذا التاريخ. ونحن على يقين من أن في وسع «لوموند» غداة هذا الانعطاف، تجديد مسيرها، والتمسك بقيمها الأصيلة، يحدوها طموح ثابت الى ابتكار مستقبلها. * رئيس إدارة مجموعة لوموند، عن «لوموند»، الفرنسية، 4/6/2010، إعداد وضاح شرارة