عندما قصد جمال يونس رومانيا للتخصص في طب الأسنان، عاد منها بشهادتين: واحدة في طب الأسنان والثانية في علم التحنيط. وإلى مدينته الساحلية صور، حيث يمارس غالبية السكان الغطس، عاد جمال ليفتتح عيادته ويزينها بمعرض يحوي طيوراً وأسماكاً وأفاعي وسلاحف وسلاطعين ونجوماً بحرية محنطة. من خلال حصص التشريح التي كان يتلقاها في كلية الطب الرومانية، تعرف للمرة الأولى الى فن تشريح الطيور وتحنيطها. وإلى جانب دراسة الطب، قام بدراسة علم التحنيط فحاز على دبلوم في علم تحنيط الطيور والحيوانات بحسب الأسلوب الفرعوني المعروف بإفراغ أحشاء الحيوان مع الاحتفاظ بجلده وعظامه وإدخال أسياخ حديدية في جسمه من دون المساس بشكله الخارجي. وبعد ذلك يصار الى وضع مواد كيماوية للمحافظة على هيئته الخارجية قدر الإمكان، مع ملاحظة استبدال العيون بأخرى زجاجية ملائمة للونه الأصلي. ويشدد يونس على أن المواد الكيماوية التي يستخدمها غير سامة أبداً، بل على العكس فهي معقمة في شكل محكم لدرجة انه إذا مستها إحدى الحشرات فسرعان ما تتحنط! وهذا دليل على فعالية وجودة وفرادة علم التحنيط الذي يتبعه. واللافت أن للأسماك والحيوانات البحرية طريقة تحنيط مختلفة، فهي تحتاج الى كمية أكبر من الكيماويات للحفاظ على جلدها وحراشفها، وبعد ذلك توضع في حرارة تتماشى مع الأجواء التي كانت تعيش بها وذلك عبر حفظها في إطارات زجاجية سُحب منها الهواء ومضغوطة حتى لا تتأكسد الحيوانات فتبقى على هيئتها لسنوات طويلة. تعلم جمال الغطس منذ نعومة أظافره ويستطيع الوصول الى أعماق تتراوح بين 5 و12 متراً من دون حاجة الى قارورة أوكسجين، وهو حائز على شهادة غوص عالمية نالها في رومانيا وترخيص خاص لاصطياد حيوانات البحر بواسطة البندقية. أما المصدر الثاني لحيواناته فهو من الصيادين الذين يهبونه ما يصادفون من غريب المخلوقات. والمجموعة التي احتلت قسماً كبيراً من عيادة الدكتور جمال في مدينة صور تشكل متحفاً مصغراً لكنه زاخر بالتنوع، حيث يضم معظم أسماك البحر المتوسط الصغير منها والكبير وصولاً الى الحوت الصغير والأخطبوط وفرس البحر والسرطانات وحيوان الإسفنج والرخويات والأفاعي والسلاحف. وتفزع إذا ما وقعت عيناك على سمكة القرش وهي ترمقك بمقلتيها اللامعتين وفكها المفترس. ويعتز جمال بأن متحفه يضم مجموعة من نجوم البحر ذات الأذرع السبعة النادرة وهي منقرضة منذ مئات السنين إذ جرت العادة أن يتم العثور على نجمات بحر بخمسة أذرع أو أربعة فقط. كما أن صدفة الموريكس التي تغنى بها الفينيقيون فاستخرجوا منها الصباغ الأرجواني حاضرة في متحف جمال بعدما استخرجها من قاع بحر صور. إضافة الى الكائنات البحرية، هناك حيوانات برية مثل الغرير والسنجاب والثعالب والسلاحف والطيور على أنواعها وغيرها. وتجدر الإشارة هنا الى أن هذه المعروضات وضعت في بيئتها المناسبة. متحف جمال يونس مجاني وهو لا يتقاضى أي بدل لقاء الزيارة، لكنه يناشد الوزارات المعنية (السياحة والزراعة والبيئة) مساعدته لإنشاء متحف وطني للحيوانات البرية والبحرية في منطقة البحر المتوسط. وهذا ما يسعى أليه فعلاً من خلال عمله الدؤوب لإقامة متحف بحري شامل في منطقة ذوق مصبح بالقرب من مغارة جعيتا الشهيرة.