ارجأ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا موعد استئناف المفاوضات السورية إلى الأربعاء المقبل على أمل توفير ظروف أفضل لتجاوز مأزق يلوح في أفق الجولة المقبلة من المفاوضات بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، في وقت تضغط موسكو بقوة ل «توحيد» وفد المعارضة للوصول إلى مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي برئاسة السفير بشار الجعفري أو عقد مفاوضات اختصاصية بين لجان مختصة تضم ممثلي الأطراف السورية. وكان دي ميستورا حدد الإثنين موعداً لبدء الجولة المقبلة رافضاً استجابة طلب دمشق تأجيل الموعد بسبب الانتخابات البرلمانية المقررة في 13 الشهر الجاري. وأكد مكتب المبعوث الدولي قبل يومين التزامه الموعد السابق، غير أن عدداً من المدعوين تبلّغ أمس إرجاء بدء الجولة إلى الاربعاء بسبب زيارة دي ميستورا إلى موسكو ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إضافة إلى نيته زيارة دمشق للحصول على «مرونة» في موقفها التفاوضي. والتصور السابق لدي ميستورا قضى بأن تتناول الجولة المقبلة «القضايا الجوهرية» المتعلقة بالانتقال السياسي والإجابة على 29 سؤالاً كان وجهها إلى وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة. والانطباع الذي كوّنه المبعوث الدولي، وفق ما نقل مسؤولون غربيون عنه، إن وفد «الهيئة التفاوضية» كان ايجابياً وقدّم اجابات عن الأسئلة التي وجهها سواء ما يتعلق بجدول الأعمال أو مبادئ التسوية السياسية، في مقابل سعي رئيس الوفد الحكومي إلى التركيز على الاجراءات ومبادئ المفاوضات والورقة التي قدمها الجعفري في بداية الجولة السابقة والمتضمنة عشر نقاط. وكانت تلك المرة الأولى التي عبّر فيها دي ميستورا في جلسات مغلقة عن «الاستياء من الوفد الحكومي وحرصه على المماطلة وإضاعة الوقت»، وفق ما نقل مسؤول غربي عن المبعوث الدولي. واشار الى وصول معلومات اضافية عن رغبة دمشق بإجراء مزيد من المفاوضات على ورقة المبادئ التي أعلنها دي ميستورا في نهاية الجولة الماضية ومقارنتها مع وثيقة دمشق، بدل الخوض في جدول الأعمال الذي تضمن، وفق القرار الدولي 2254، ثلاث نقاط تتعلق بالحكم الجديد والدستور والانتخابات. وفي ضفة المعارضة، ظهرت صعوبات في جسم «الهيئة التفاوضية» التي تجتمع في الرياض اليوم لإعداد مسودة إجابات للأسئلة ال 29 عن الحكم. وكان بين الصعوبات موقف «المجلس الوطني الكردي» بسبب رفض «الهيئة» الفيديرالية التي أعلنها «الاتحاد الديموقراطي الكردي» قبل اسبوعين وعارضتها المعارضة والحكومة، ومطالبة «المجلس» بتغيير رئيس الوفد المفاوض العميد أسعد الزعبي بسبب انتقاده للأكراد، علماً أن المنسّق العام ل «الهيئة» رياض حجاب التقى قبل يومين رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني. ودعا «المجلس الكردي»، أمس، إلى إدانة سقوط قتلى بقصف «جبهة النصرة» وحلفائها حي الشيخ مقصود في حلب والذي تقطنه غالبية كردية، وحضّ دي ميستورا على «فضح هذه الجرائم ضد المدنيين من أي جهة كانت فهي جرائم ضد الانسانية»، إضافة الى «دعوة جميع فصائل المعارضة إلى إدانة هذه الأعمال الإرهابية». وفي هذه الظروف، بدأت موسكو ضغوطات هائلة للقول إن «الهيئة» لا تمثّل كل أطياف المعارضة والسوريين. وكان هذا بين أهداف جولة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في المنطقة، حيث التقى الرئيس السابق ل «الائتلاف الوطني السوري» معاذ الخطيب في الدوحة أول من أمس، ومجموعة «إعلان القاهرة» وبينهم جمال سليمان في العاصمة المصرية أمس. وبدا مدى تركيز بوغدانوف في اللقاءين على أن «الهيئة» لا تمثّل كافة أطياف المعارضة وأكد ضرورة «إضفاء طابع تمثيلي فعلاً على وفد المعارضة السورية» وأن «قرار القيادة الروسية سحب الجزء الأساسي من القوة التابعة للقوات الجوية (من سورية) وفّر مقدمات ملائمة للعمل السياسي والديبلوماسي في جنيف». كما سعت روسيا إلى توسيع تمثيل المعارضة عبر إصدار بيان في مجلس الأمن ل «ضمان أعلى درجات التمثيل» في الجولة المقبلة للمفاوضات استناداً الى القرار 2254 الذي نص على أن يشكّل دي ميستورا وفد المعارضة من مؤتمراتها في الرياضوموسكووالقاهرة. وتبلّغ بوغدانوف خلال لقاءاته في اليومين الأخيرين ان «الهيئة» تضم ممثلين عن مؤتمرات الرياضوالقاهرةوموسكو و «لا يمكن دعوة جميع الحاضرين، بل يمكن الاكتفاء بالتمثيل النسبي». وبعد محادثات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو في 24 الشهر الماضي، ساد اعتقاد بوجود مقايضة مرنة تضمنت ضغط موسكو على دمشق لقبول التفاوض على الانتقال السياسي وتقديم تصور سياسي الأمر الذي ظهر في مقابلة الرئيس بشار الأسد لدى إعلانه عن الاستعداد لتشكيل حكومة تضم موالين للنظام ومعارضين ومستقلين تصوغ دستوراً جديداً، مقابل قبول واشنطن توسيع وفد المعارضة والوصول إلى وفد موحد يجري مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي برئاسة الجعفري أو العودة إلى خيار اللجان الأربع التي تضم عدداً محدوداً من الفرقاء السوريين لبحث قضايا محددة تتعلق بالدستور والحكومة ومسائل أخرى. كما جرى التأكيد على ترك مصير الأسد خارج جدول أعمال المفاوضات في جنيف، وقبول الجانبين الأميركي والروسي أن يقرر السوريون مستقبلهم ورفض أي شروط مسبقة للمفاوضات، لكن الفجوة بقيت بين تمسّك واشنطن تشكيل «هيئة انتقالية» وحديث موسكو عن حكومة وحدة وطنية في خيار أقرب إلى فهم دمشق. والى الصعوبات السياسية، احتدمت المعارك في اليومين الأخيرين. اذ انه بعد قصف الطيران السوري مناطق عدة كان بينها غوطة دمشق وسقوط حوالى 33 مدنياً، شن مقاتلو المعارضة هجمات في ريفي حلب واللاذقية تضمنت استعادة مناطق خسروها في الأسابيع السابقة. وكانت هذه الامور وخروقات الهدنة قد طُرحت في اجتماع مجموعة العمل الخاصة ب «وقف العمليات العدائية» برئاسة اميركية - روسية في جنيف اول من امس بعد أيام على اجتماع المجموعة الخاصة بالمساعدات الانسانية والذي أفيد خلاله برفض دمشق ايصال مساعدات إلى داريا وحرستا ودوما في ريف دمشق. وقال مسؤول غربي: «بعدما كان هناك شعور ان الأمور تسير في الطريق الصحيح وهناك دينامية في مجالات الهدنة والمساعدات ومفاوضات جنيف، يسود حالياً شعور بأن الأمور عادت إلى البطء وكأن عجلة العملية توقفت عن الدوران». وكانت هذه الأمور، إضافة إلى شعور المسؤولين في دمشق بعد استعادة القوات النظامية بدعم روسي مدينتي تدمر والقريتين من «داعش»، وراء التأجيل الجزئي في موعد مفاوضات جنيف على أمل أن تسفر الحركة الديبلوماسية التي يقوم بها دي ميستورا والجانب الروسي إلى استعادة الدينامية السابقة والتركيز على مسار مفاوضات جنيف لتجاوز المأزق وإحداث اختراق في الجولة المقبلة ثم البناء عليه في جولة أخرى في أيار (مايو) المقبل وتشكيل «الحكم الشامل غير الطائفي» في نهاية أيار أو حزيران (يونيو) لصوغ الدستور الجديد في آب (اغسطس)، وفق التصور الأوّلي بين واشنطنوموسكو ودي ميستورا.