مشهد يتكرر في كل سنة، تنديد في كل مناسبة، أصوات تعلو في كل مجزرة، اجتماع دولي طارئ بعد كل اعتداء، وماذا بعد؟ منظر عالمي رتيب لا تنقاد إليه وتصدقه إلا العقول البسيطة. ألم نتعلم عبر السنين أن هذه لعبة دولية وخطط مدروسة، تحت مظلة السياسة العالمية؟ ألا نفقه أن العالم لا يسير جزافاً، وأن المجازر الإسرائيلية لا تقع فجأة؟ ألم نتعلم من التاريخ الحديث أن التنديد لا ينفع، ولا الاعتراض، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، ومن أعطي الضوء الأخضر لا يقف أبداً؟ لماذا نعجب من عدم تفعيل قرارات الأممالمتحدة للعقوبات على إسرائيل، والسياسات رسمت منذ عهد بعيد؟ ألم نقرأ في ثنايا أروقة الأممالمتحدة وقراراتها أنها لا تنطبق إلا على الضعيف؟ ألم نفهم أن العروبة اسم أصبح في طي النسيان؟ أطفالنا ونساؤنا ورجالنا يذبحون، ولا من معين، أقوالنا شتى، وعناويننا مختلفة، ولكنها كلها تندرج تحت هوية واحدة وهي الاستسلام. كيف ننتظر من العالم أن يقف معنا، ومع قضيتنا المشهورة التي أشغلنا بها عبر السنين، واستنزفت ما لدينا من تقدير واحترام لشعوبنا العربية، ونحن ناظرون بلا حول ولا قوة، إلا كلمات وحروفاً أبجدية، لم يعد لها وجود، ولا للغة الضاد من قوة، واذا كان الأشقاء رافضين الاتحاد والقوة، فكيف ننتظر من الآخرين النصرة على الأعداء؟ فالأعداء في الداخل أشد قوة من أعداء الخارج، متناحرين متشعبين، لا نصر ولا تأييد، ولن تعلو لنا كلمة ونحن أطياف أشباح بلا عزيمة ولا قرارات توحيد. النبي الأمي وحّد الأمة، ونحن فرقنا أممنا بالمصالح الذاتية، فلم تعد لنا هوية، إلا الاستسلام وتصريحات وهمية. إن لم يتحد الإخوان في هذه الأوقات العصيبة في أرض الرسل والنبوة، فكيف ستجتمع الكلمة الدولية وقلوبنا شتى، وأهدافنا ملونة كأطياف ألوان السماء؟ لماذا ننتظر دائماً من الغرب أن يعطينا، ولا نأخذ حقوقنا بأيدينا؟ مصالح معروفة، وكراسي موضوعة للخلود وليس للقوة. فماذا ننتظر، وشعوبنا مكلومة وليس بيدها القرار؟ التعداد السكاني للمسلمين قاطبة في العالم رقم مذهل، ومفعول مخزٍ، فلا اتحاد ولا قوة، فلمَ تعلُو الأصوات ونحن نعرف النتيجة مسبقاً أننا في نهاية الأزمة والضجة الإعلامية لن نحصل على شيء كأمة وقضية، فثورة الإعلام وهي أصبحت السلطة الأولى التي تنقل الآراء وتهجم على القضايا بكل عنفوان وعروبة، وفي الحصيلة الأخيرة، تضمحل الأصوات، لتنقل إلى انكسار آخر من نوع آخر، وننسى كما العادة ما حصل، ونضع أقنعتنا التي نبدلها بحسب الأجواء والأهواء. مجزرة السلام / ما هو الجديد؟ أم حسبنا أن التنديد سيعطي ثماره، فلا نخدع أنفسنا كالعادة. ستمر العاصفة، وترجع الأمور إلى نصابها، وترجع الدائرة من تنافر ومصالح، والقتال على السلطة وليس لنصرة قضية استهلكت إعلامياً وسياسياً، حتى أصبحت أخبار كل يوم نشربها ونمضغها في شكل تلقائي، فلم تعد للدماء حرمة ولا للإنسان قيمة إلا مشهد درامي عبر وسائل الإعلام لتخدم مصلحة معينة بأننا فعلنا واستنكرنا، ولكن ليس باليد حيلة، فتعودي أيتها الأمة العربية، هذا إن لم تتعودي بعد فأصبحنا مبلدي العواطف عقولنا مبرمجة على الاستسلام والخنوع. مآسي أمة، تلعب بها سياسات دولية، وضعت وأجمعت عليها دول عظمى منذ سنين، فلماذا ننتظر دائما التغيير، ونحن لم نغير ما بأنفسنا من تنافس على السلطة وليس على المصلحة؟ قلمي الجريح لن يكتب كلمة تواسي الجرح العميق في جسد الأمة العربية، لأنه لم يعد جرحاً بل مأساة وسرطاناً استشرى في جسد أمة أضعفت بجبروت هذا المرض الخطير، الذي أذلنا الى حد الانهزام وعدم القدرة على الدفاع، فجهازنا المناعي لم يعد له وجود في عالم طغت عليه المصالح الشخصية عن قضايا أمتنا العربية، التي لم تعد بيدنا لمن أراد القراءة بين السطور. إن نهوض الأمة العربية والإسلامية ليس بتوحيد الكلمة، بل بتوحيد النية، فقد تركنا انتصاراتنا منذ زمن بعيد على شواطئ مشى عليها طارق بن زياد. من هم أعداؤنا؟ فلننظر إلى أنفسنا وأعماقنا وسنعرف الجواب. * كاتبة سعودية [email protected]