بعد عام على خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة وتزايد حال الأمل والحماسة والتعويل عليه في إحداث تلك الانفراجة في علاقات الولاياتالمتحدة مع العالم الإسلامي، ينتاب الأوساط الإسلامية الرسمية وغير الرسمية على حد سواء حالة من اليأس وفقدان الأمل في قدرة الرئيس الأميركي على الوفاء بوعوده التي أخذها على نفسه منذ أول أيامه في المكتب البيضاوي، والتي ترجمها تراجع نسبة تأييده في استطلاعات الرأي الإسلامية والأميركية هذا العام والتي وصلت إلى مستويات متدنية مقارنة بنظيرتها في بداية حكمه. يرجع تحول حال الأمل والحماسة اللتين تولدتا في العالم الإسلامي مع خطاب أوباما «التصالحي» في القاهرة إلى جملة من الأسباب، يتمثل أهمها في الآتي: أولاً: اهتمام أوباما بقضايا الداخل التي تطحن المواطن الأميركي لا سيما قانون الرعاية الصحية وإصلاح النظام المالي وقضايا الهجرة. إضافة إلى انشغاله بالحفاظ على غالبيته بمجلسي الكونغرس مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونعرس في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الحالي. وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى أن أوباما جاء أساساً لخدمة المواطن الأميركي ويطمح أن يعاد انتخابه لفترة رئاسية ثانية. واهتم أوباما منذ أول أيامه بإعادة تشكيل علاقات الولاياتالمتحدة مع حلفائها خارجياً بعد فترة من التراجع، وإعادة الاعتبار إلى القوة الأميركية في نظام دولي يشهد جملة من التحولات تُهدد مكانة وتفرد الولاياتالمتحدة على قمة النظام الدولي في ظل صعود قوى دولية تنافس واشنطن على مكانتها الدولية وتسعى إلى الحلول محلها في مناطق تراجع نفوذها، ناهيك عن انشغال أجندته الانتخابية والرئاسية بجملة من القضايا الدولية كقضية الاحتباس الحراري ومنع الانتشار النووي والأزمة المالية العالمية. ثانياً: إخفاق الرئيس الأميركي في إحداث انفراج في إحدى القضايا المحورية في تدهور العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي. فعلى رغم الجهود الأميركية في الضغط على الحكومة اليمينية الإسرائيلية لوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية عموماً والقدس بخاصة، إلا أنها لم تؤتِ ثمارها حتى الآن. ومع اشتداد التأزم في العلاقات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، كانت هناك تأكيدات أميركية أن هذا لا يعني التضحية بأمن إسرائيل ومصلحتها، وتأكيد أن العلاقات بين البلدين استراتيجية غير قابلة للانفصام، ناهيك عن تأكيد الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل حكومة وشعباً. وفي حقيقة الأمر، تمتلك الولاياتالمتحدة من الأدوات التأثيرية (المعونات، التعاون العسكري، موقعها في مجلس الأمن...) ما يمكّنها من التأثير في الموقف الإسرائيلي من التوسع الاستيطاني وعملية السلام التي أبدى أوباما اهتمامه بها منذ اليوم الأول له في الحكم، على عكس كثير من رؤساء الولاياتالمتحدة الأميركية، إلا أنه لا يركن إلى تلك الأدوات التأثيرية لأسباب ليس هنا مجال رصدها. وتزايد الإحباط الإسلامي من إمكان إحداث انفراج في ملف الصراع العربي الإسرائيلي مع رفض واشنطن الصريح والواضح تقريرَ غولدستون حول الجرائم التي ارتكبت في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أوائل العام الماضي والتي تدين إسرائيل. ثالثاً: تراجع الإدارة الأميركية عن كثير من وعودها في العالم الإسلامي لتحقيق الاستقرار وإنهاء العنف والفوضى، فقد تخلت واشنطن عن كل تلك المطالب من أجل مصالحها الذاتية وما يحدث في العراق والسودان وأفغانستان خير دليل على ذلك. ويُضاف إلى ذلك تراجع إدارة أوباما عن إقفال معتقل غوانتانامو وعن تقديم معتقليه للمحاكم المدنية، إذ شهدت الأشهر الماضية تقديم كثير من معتقليه لمحاكم عسكرية. يُثير تحول حال الأمل والحماسة اللتين تولدتا بعد خطاب أوباما في القاهرة لخيبة أمل ويأس لدى كثير من الأوساط السياسية والشعبية في العالم أربع ملاحظات رئيسة، تتمثل في الآتي: أولاً: إن تحسين صورة الولاياتالمتحدة وإعادة فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي ليست بمهمة سهلة، خصوصاً أن الصورة السلبية لهذا البلد والمترسخة في عقول شعوب العالم الإسلامي لم تتكون بين عشية وضحاها ولن تزول بين ليلة وضحاها. ثانياً: إن السعي الأميركي في إحداث تحول في العلاقات الأميركية الإسلامية لا يعني تغييراً في ثوابت السياسة الخارجية الأميركية تجاه العالم الإسلامي. فالقراءة التاريخية لتلك السياسة تُؤشر إلى سياسة بنيوية ومصالح استراتيجية ثابتة لن تتغير باختلاف الإدارات الأميركية (جمهورية أو ديموقراطية)، وإن أي تغيير لن يكون استراتيجياً بل تكتيكياً لخدمة المصالح الأميركية في العالم الإسلامي. ثالثاً: إن الولاياتالمتحدة ليس كلها باراك أوباما. فما زالت هناك داخل واشنطن قوى سياسية رافضة للتقارب الأميركي مع العالم الإسلامي وإعادة فتح صفحة جديدة معه يروج لها أقطاب من المحافظين الجدد وكثير من مراكز الفكر والرأي الأميركية وكذلك الميديا الأميركية ومنظمات اللوبي الإسرائيلي وأعضاء الكونغرس، وهي قوى فاعلة ومؤثرة في مؤسسة صنع القرار الأميركي. وأخيراً: على رغم إخفاق أوباما في تحويل كثير من وعوده إلى حقائق وسياسات على أرض الواقع، إلا أنه نجح في إعادة صوغ الخطاب الأميركي تجاه العالم الإسلامي وتنقيته من النظرة الأميركية الاستعلائية والألفاظ المتعجرفة من قبيل «الحروب الصليبية الجديدة» و «الفاشيين الإسلاميين» وهي ألفاظ راجت في إدارتي بوش الابن واستدعاء أقطاب المحافظين الجدد المستمر لنظرية «صراع الحضارات» لصموئيل هنتغتون من أن الإسلام في صراع مستمر مع الولاياتالمتحدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وانعكس هذا في غياب الربط بين الإسلام والإرهاب في تعليقاته على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة خلال سنة ونيف من حكم أوباما، وتأكيده في أكثر من محفل أن الولاياتالمتحدة ليست في حرب مع الإسلام، وأثر الحضارة والثقافة الإسلامية في تقدم الولاياتالمتحدة وإثرائها. * محرر «تقرير واشنطن» - أحد مشاريع معهد الأمن العالمي.