أوضح الكاتب والسينمائي علي سعيد أن كتابه الصادر حديثاً، بعنوان «الحقيبة الجلدية» لا يتضمن حوارات بالمعنى التقليدي، «ليس فقط لأنني هدمت صيغة السؤال والجواب التقليديتين والعموديتين، وإنما لأنني حاولت إقامة بناء فني للكتاب يتمثل بمقترح إعادة الحوار إلى البناء الأشمل (القصة)، وكأن الحوار الصحافي هو حوار أدبي سينمائي روائي والضيوف شخصيات قصصية، وذلك بالاتكاء على عدد من الحوارات، التي أجريتها وتضمنت أحداثاً ومواقف وحكايات مكنتني من تحويل الأحاديث الجامدة (شكلياً) إلى قصص مسرودة»، مشيراً إلى أنه «عندما اقترح الصديق الناقد طارق الخواجي على «دار أثر» أن تتبنى نشر الحوارات كونها تضم أسماء فكرية مهمة، أخبرته أنني لن أعتمد فقط على الأسماء الشهيرة، وإنما سأضم في الكتاب شخصيات مغمورة، كالنحات العراقي الشاب باسم حمد، الذي أعدت إنتاج حديثه معه ضمن بناء قصصي متكامل، مارست فيه حرية كاملة في هدم الحوار والانطلاق في الكتابة من النقطة الأكثر «درامية» وتأثير، تحقيقاً للشرط الفني للكتاب، الذي أتمنى أن أكون قد وفقت فيه». ويقول علي سعيد في حوار مع «الحياة» إن القيمة المعرفية للكتاب «تكمن في المادة الثقافية والمعرفية للمتحاورين، غير أن هذا الأمر بالنسبة إلي غير مغري لعمل كتاب. كنت أرى دائماً في الكتب التي تجمع الحوارات بالطريقة التقليدية على أنها استسهال من جهة ومحاولة يائسة للصحافي بأن يجمع أشلاء من سيرته المنسية في الصحافة، التي قال عنها بورخيس ذات يوم «كتابة للنسيان». غير أن بعض المحاولات التقليدية في جمع الحوارات جاءت موفقة، عندما يكون الكتاب مع شخصية أدبيه واحدة». ويرى سعيد أن ما ينشر من حوارات لا يستحق أن يعاد نشره في كتاب، من دون وجود أي مبرر فني أو موضوعي، «لا جدوى من نقل حوار حي من صحيفة يومية إلى كتاب من دون بعث الحياة فيه من خلال إعادة إنتاجه وفق مقترح فني ما. وهو ما حاولت العمل عليه. وهو أمر يحتاج إلى صرامة في الاختيار وليس فقط أن نجمع كل الحوارات لأننا أجريناها والأمر ينطبق على جمع المقالات». وذكر أنه استغنى عن أكثر من 40 حواراً صحافياً لمصلحة المجموعة التي نشرتها، «علما بأنني اعتز بغالبية حواراتي الصحافية وهي تضم شخصيات روائية وثقافية مرموقة، لكني كنت قاسياً بأن ألغيت وجودها في الكتاب من أجل أن يظهر بشكل متماسك ومكثف ويلبي متطلبات «الحبكة» أو المقترح الفني، الذي سعيت لتحقيقه، وهو إعادة الحوار إلى البناء الأشمل للقصة. المسألة الأخرى هي أن الاعتقاد الواعي أو حتى اللاواعي لدى شريحة واسعة من الكتاب في الصحافة، بأن كل ما ينشرونه هو مهم أظنه اعتقاد واهم لأننا عندما نذهب بحمولتنا الصحافية لوضعها في كتاب علينا أن نمارس صرامة فنية قاسية على أنفسنا، غير أن هذا الفخ للأسف يسقط فيه عادة من يغريه الكم على حساب جودة المنتج». وفي ما يخص كونه محظوظاً أنه التقى شخصيات فكرية وحاورها، مثل محمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، ومانغويل، وأدونيس، وأحلام مستغانمي، أوضح أنه يشعر بأن عمره 60 عاماً في حين أنه لم يتجاوز بعد منتصف الثلاثينات، ويضيف: «في الواقع أن اختياري الدراسة في جامعة دمشق، وتوجهي إلى هناك في عام 2000، سمح لي بأن أتشكل ثقافياً من عاصمة أصيلة فكرياً وثقافياً. وانفتح على المشهد الثقافي السوري (العربي) من هناك، حيث بدأت العمل مراسلاً ثقافياً للصحافة السعودية. كانت دمشق وقتها في أوج توهجها الثقافي والحضاري، وكانت الأمسيات الشعرية والأدبية لا تتوقف، من محمود درويش، ومظفر النواب، إلى ماريو برغاس يوسا. لذا أنا ممتن لتلك السنوات ولدمشق. الأمر الآخر هو مهني وهو أنني أميل أكثر للحوارات المباشرة وجهة لوجه مع شخصياتي. في كتاب «الحقيبة الجلدية» ثمة 30 صفحة منشورة من بضعة ساعات أمضيتها مع نصر حامد أبوزيد خلال يومين. كيف تمكن من ذلك لولا أنني التقيته في ظرف مكاني وزماني ولّد حكاية ما. الأمر الآخر أن شخصيات بهذه القيمة والحجم يصعب أن تجيب على أسئلة بريدية إلا ما ندر». وعن أكثر الأحاديث والقصص، التي ضمها الكتاب وأثرت فيه، قال: «كل الشخصيات لها مكانة في نفسي، واحترمها كثيراً، لكن لقائي بالدكتور نصر حامد أبوزيد كان الأشد تأثيراً في المستوى الفكري والإنساني، لأسباب يتعذر حصرها الآن». ولفت إلى أن قصص الكتاب أو (الحوارات المسرودة) ليست كلها بمستوى واحد، « فإلى جوار محمد أركون ثمة أميمة الخليل، وخيري شلبي، وقاسم حداد. الأمر الآخر أن الكتاب اعتمد التكنيك السردي القصصي وهو أسلوب محبب أظن أنه يسهم في تخفيف حدة الأجزاء «الثقيلة» علماً بأنني أميل دائماً إلى استعمال اللغة الواضحة غير النخبوية». وعن الإقبال على الكتاب، وبخاصة أن انطلاقته تزامنت مع معرض الرياض الدولي للكتاب، ذكر علي سعيد أن الطلب على الكتاب «ممتاز جداً بحسب ما أخبرني الناشر. وأيضاً خلال وجودي في معرض الكتاب بالرياض، علماً بأن الكتاب تأخر خمسة أيام حتى وصل المعرض، إلا أن متابعة الصحف وشغف القراء لقراءة مادة جديدة من صحافي وكاتب (هو العبد الفقير) ربما ساعد في وصول الكتاب». وعما إذا كانت تجربته في كتابة السيناريو لعدد من الأفلام أفادته في الكتاب، قال: «أجل وهذا ما نبهني إليه صديق ناقد سينمائي قرأ الكتاب. على مستوى التكنيك الدرامي والبصري أجل ثمة استفادة في خلال كتابة بعض قصص الكتاب، غير أن كل قصة وشخصية هي التي تفرض شكل وأسلوب كتابتها الفني».