حدثتني إحدى صديقاتي وألحت علي بالطلب، أن أكتب في الموضوع الذي ستذكره لي، وكانت غاضبة، وثائرة، لحد الانفجار، وأنا التي تعودت منها الهدوء، بل أحياناً البرود في كثير من الموضوعات التي نناقشها نحن الصديقات، صديقتي هذه انتقلت إلى مدينة الرياض لتحضير رسالة الدكتوراه في إحدى جامعاتها. قالت لي: تعودت في مدينة جدة عندما أتوجه إلى أي صراف آلي، أتمكن من الصرف بكل سهولة، حتى ولو أمامي مجموعة كثيرة من الرجال، والمسألة تكمن في احترامهم للمرأة، إذ إن الرجال حينما يرونها يفسحون لها الطريق، ويتنازلون عن دورهم في الصرف لها، ولكن - والحديث لصديقتي - ما حدث لي في الرياض شيء يتنافى مع مبادئ الاحترام واللياقة. قلت ما الأمر؟ قالت ذهبت إلى أحد الصرافات الآلية لأصرف مبلغاً من رصيدي وكان هو الأقرب إلى سكني، فوجدته مزدحماً بالرجال، ونظراً لحيائي وخجلي ولم أشأ مزاحمتهم، أوعزت لسائقي أن يقف مكاني حتى يأتي دوري، ولما جاء دوري تأخر سائقي وأفسح لي لأتقدم للصرف، وما أن وقفت حتى انهال علي الرجل الذي خلفي مزاحمة، وشتيمة، وهو يزبد ويرعد، معترضاً على تقدمي قبله، قائلاً: ابتعدي يا امرأة، لا تقف امرأة قبلي! قلت: هو دوري ومن حقي ولن أتركه، حتى أصرف مالي، صرخ في وجهي بأعلى صوته: لا يجوز لك أن تتقدميني وأنا رجل وأنت امرأة، صممت على الصرف ولم أتنازل عن دوري ولم أتأخر له عن مكاني، ولم أنزلق معه في الكلام، والشتم، ما أثار حفيظة بعض الرجال الواقفين فاتهمهم بمعرفتي. ولولا قيام بعضهم بصده عني لضربني بيده متناسياً، حرمتي وحقي المشروع في استعمال الصراف مثلي مثل بقية المواطنين، ولكن لأنني امرأة فهو ينظر إلي باحتقار وتعالٍ شديد. قلت اهدئي يا صديقتي ولا تستغربي هذا التصرف الذي هو جزء متغلغل في سلوك البعض في مجتمعنا، فهم يرون المرأة بمنظار العار عليهم في وقوفها لقضاء حاجاتها، أو مشيها من أمامهم، أو صرامتها وكفاحها لنيل حقوقها، لقد تعودوا على «الجلافة» وفوبيا التوجس من وجود المرأة، والخوف من سحب البساط من تحت أقدامهم، لقد تعودوا أن يأخذوا بطاقات «صرّاف» نسائهم ليصرفوا أموالهن إلى جيوبهم، وتعودوا أن ينظروا إلى المرأة على إنها مواطنة من الدرجة الثانية التي يجوز التسلط عليها، والرجال يختلفون باختلاف تمدنهم، وتربيتهم ونشأتهم، ومن تعود على احترام المرأة ليس كمن تعود على احتقارها ودونيتها، مستغلاً للمصالح والخدمات ليتم تهميشها خارج النطاق، لتستسلم المرأة لأعرافهم المجحفة، وتصبح الخدمات حكراً عليهم، متخذين من درجة القوامة منظاراً ينظرون من خلفه للمرأة بمزايا التفضيل لهم، فهم الأفضل في تصورهم، وهم الأحق في الاستفادة من الخدمات والمصالح العامة، ولهم الأولويات في الخدمة، وإن تجرأت المرأة ودافعت للاستفادة من الخدمات، فهي امرأة فقدت ميزاتها كامرأة محترمة، المتوقع منها التنازل للرجل عن كل حق، وكل شيء، حتى لو كان الوقوف عند الصراف، وما أكثر المشاهد الخارجة عن السلوك وقلة الذوق والتهذيب، ضد المرأة في كثير من الأمور، وجميل هذا الإصرار منك على أخذ دورك، وتجاوزك لمهاترات الشارع التي يفضحها سلوك البعض «المتشدد» أو المنفلت حيال المرأة.