إنتاج المدينة من التمور يزداد بنسبة 31%    السعودية تحقق رقما قياسيا جديدا في عدد صفقات الاستثمار الجريء    دبلوماسي سعودي رفيع المستوى يزور لبنان لأول مرة منذ 15 عاما    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات الأوضاع الإقليمية    القبض على مواطن لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي بتبوك    محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    وزير الدفاع بالإدارة السورية الجديدة: نعمل لمنع اندلاع حرب أهلية    22 ولاية تطعن في أوامر ترمب لمنع منح الجنسية بالولادة    الخطيب: المملكة تستثمر 500 مليار دولار لتطوير وجهات سياحية جديدة    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    «التجارة»: 19% نمو سجلات «المعلومات والاتصالات»    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعقد ورشة عمل عن أسس ترميم المخطوطات والوثائق    حسام بن سعود: التطوير لمنظومة العمل يحقق التطلعات    وزير العدل يلتقي السفير الصيني لدى المملكة    آل الشيخ: خطبة الجمعة للتحذير من ظاهرة انتشار مدعي تعبير الرؤى في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي    محافظ الأحساء يُدشّن وجهة "الورود" أحدث وجهات NHC العمرانية في المحافظة    جناح مبادرة "Saudi House" يعرّف زوار "دافوس" بمنجزات المملكة ويعقد جلسات متنوعة    أقل من 1% تفصل الذهب عن قمته التاريخية    بدء أعمال المرحلة الثانية من مشروع تطوير الواجهة البحرية لبحيرة الأربعين    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير جوازات المنطقة بمناسبة تعيينه    اعتقالات وحواجز أمنية وتفجيرات.. جرائم إسرائيل تتصاعد في «جنين»    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    أمير الشرقية يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي السادس والعشرين للجري    محافظ الخرج يستقبل مدير مكافحة المخدرات    أنغولا تعلن 32 حالة وفاة بسبب الكوليرا    تكريم 850 طالبًا وطالبة بتعليم الطائف    جامعة حائل تستضيف بطولة ألعاب القوى للجامعات    صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    الاتحاد والشباب.. «كلاسيكو نار»    اعتباراً من 23 رجب.. حالة مطرية «سابعة» تترقبها السعودية    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    أبواب السلام    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    كوليبالي: الفوز ب«عرض كبير» هدفنا    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    تأملات عن بابل الجديدة    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين واللغة وإشكالية التواصل بين الجاهلية والإسلام
نشر في الحياة يوم 29 - 05 - 2010

تُعالجُ هذه الورقة مسألة التواصل الديني واللغوي بين الجاهلية والإسلام باعتبارها «إشكالية» تتطلب البحث والتساؤل والاستكشاف. ولذا تتناول الورقة ثلاثة أمورٍ أو مسائل:
1 – المسألة الأولى: معنى التواصل أو مفاهيمه في مجالات الأفكار والبُنى والمنظومات المنقولة أو المتوارثة بشتى الطرق والوسائل. وتشمل المُعالجة وجوه «الوعي» بالتواصل المقصود، في مختلف العصور، ولدى مختلف الفئات من أرباب الثقافة العالمة. وإذا بلغنا الى المستوى اللغوي واللساني فإن هذا المفرد أو المصطلح يُعنى بقضايا وآليات تناسل النصوص أو ما صار يُعرف بالتناص Inter textuality – ولا شك في أن المصطلح وطرائق المعالجة، تستدعي مقاربة مفهوم أو مفاهيم «القطيعة»، وبالمعنيين، الإسلامي القديم: الإسلام جَبَّ أو يَجُبُّ ما قبله، والحديث والمعاصر الذي اقترحه المفكر الفرنسي ميشال فوكو، وساد لفترةٍ في الدراسات التاريخية والفكرية والأدبية. ثم ما أدخله عليه علماء اللسانيات والعاملون في مجال التأويليات أو ال Hermeneutic من حديثٍ في البراديغمات، أو القرائن الإرشادية، بمعنى ان القطيعة المقصودة تكون أكثر تعقيداً وخفاء، فلا تبدو في اللغة أو الخطاب، بل في الأفكار والمقولات، أو العكس بمعنى أن القطيعة قد تبدو في صورة لغةٍ جديدة.
والمأمول من وراء طرح الإشكالية بهذه الطريقة الخروج من الأُطروحات التي سادت حول طبيعة القرآن والإسلام على مدى حوالى قرن ونصف القرن، في البحوث المعتبرة «علمية» أو أنها تتخذ لنفسها سمات العلمية.
2 – المسألة الثانية: الرؤى الإسلامية القديمة لمسائل التواصل. وقد أجملتها الورقة في ثلاث رؤى:
الرؤية القرآنية: وهي تقرر على المستوى الديني أن الدين واحد، وتسرد تاريخاً لدعوات النبوة والخلاص ما بين آدم ومحمدٍ عليهما الصلاة والسلام، تؤكد وقائعه كل مرة تلك الوحدة في الاعتقاد (الوحدانية، والنبوات والكتب المقدسة، والبعث والحساب)، وفي علاقة الأنبياء بالله عز وجل، وعلاقاتهم بالأمم التي بُعثوا اليها. وفي المدى الأقرب، والمتصل مباشرة بالديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، فإن القرآن الكريم يعتبر أنها تدخُلُ كلها تحت المظلة الإبراهيمية، وأنه عليه الصلاة والسلام انما جاء مصححاً ومتمماً، وموحداً من جديدٍ وفي شكلٍ نهائي (= الدين الحق). وكما يشمل التصديق لما بين يَدَي النبي (صلّى الله عليه وسلّم) العقائد والممارسات، يشمل أيضاً بعض الشعائر والعبادات التي ما كانت لدى اليهود والنصارى، لكنها من مواريث ابراهيم عليه السلام، مثل شعيرة الحج الى مكة، والتوجه في الصلاة الى الكعبة.
الرؤية الإسلامية التاريخية: وهي تبدو أكثر صرامة ووضوحاً في القطيعة مع الجاهلية أو حِقَب ما قبل الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية، في الأمور التي تتعلق بالتوحيد من قريبٍ أو بعيد، وما يتعلق بعادات العرب وأعرافهم. وهذا في القرنين الأولين من الزمن الإسلامي. وعند ظهور علم الكلام أو علم أصول الدين، فإن هذه الرؤية الصارمة أو الفاصلة سادت تجاه الأديان الأخرى، وبخاصةٍ تجاه اليهودية والمسيحية.
الرؤية اللغوية واللسانية: يصف القرآن لغته بأنها عربية. وعلى رغم تميز البنية اللغوية للقرآن عن السائد في حياة العرب شعراً ونثراً في القرنين السادس والسابع للميلاد، فإن اللغويين اعتبروا لغة القرنين السادس والسابع مرجعيةً نهائيةً في كل شيء تقريباً، فاستخدموها في تفسير القرآن، وفي القواعد اللغوية والأصولية في الفقه واشتراع الأحكام، وفي النماذج البيانية والشعرية، الى الحدود التي أعاقت التطوير اللساني والشعري في بعض الأحيان.
3 – المسألة الثالثة: الرؤى الغربية للتواصل بين الإسلام وما قبله. وقد مرت تلك الرؤى خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بأربع مراحل.
في المرحلة الأولى الفيلولوجية والتاريخانية: ظهرت طريقتان للنظر في القرآن والإسلام، كانتا تمتزجان حيناً، وتفترقان حيناً آخر. فقد ظهر اتجاهٌ غلبت عليه الصبغة التأريخية والفيلولوجية شبه البحتة. وقد تميز بكتابة تواريخ لكل شيء بما في ذلك القرآن. وغلب على هذا الاتجاه أو المذهب الروح التطوري، سواء تعلق الأمر بجمع القرآن وقانونية أو معيارية نصه أو تعلق الأمر بلغة القرآن وعلومه، وبالإسلام وعقائده. أما الاتجاه الآخر فقد ركز على الأصول اليهودية والمسيحية والجاهلية للقرآن والإسلام. فكان من المستشرقين من غلّب الصناعة اليهودية للقرآن والإسلام الأول. وهناك من غلّب الصناعة المسيحية. وعندما تقدمت الدراسات الساميةُ والدراسات عن جاهلية العرب، كان هناك من ركّزَ على الاستمرارية العربية القديمة في القرآن والإسلام.
وفي المرحلة الثانية من الدراسات عن القرآن والإسلام (من بدايات القرن العشرين الى أواسطه)، غلبت في الدراسات فكرة المنظومات الحضارية، وبُنى النصوص. وتضاءل البحثُ في الأصول والمصادر، فظهرت دراساتٌ نصيةٌ ومضمونيةٌ للقرآن تدرس عوالمه الداخلية، وبُناه الذهنية واللغوية، ورؤيته العالم. وتقدم البحث خطواتٍ باتجاه الاعتراف بالإسلام باعتباره ديناً مستقلاً، وباتجاه اعتبار الحضارة الإسلامية إحدى حضارات العالم الكبرى.
أما في المرحلة الثالثة ما بين الخمسينات والثمانينات من القرن العشرين، وبتأثير المتغيرات في اللسانيات، وقراءة النصوص، وفي الأيديولوجيات، فإن الدراسات والبحوث الغربية اتجهت الى قراءة القرآن والإسلام، باعتبارهما فواتاً تاريخياً، وبُنى عتيقة، ومنظومة تقف في مواجهة الحداثة. ولذا فقد غلبت على تلك الدراسات الأيديولوجيات التحريرية والتفكيكية، والقطائع المعرفية والتاريخية.
وفي المرحلة الحالية المستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن الدراسات القرآنية في الغرب على الخصوص عادت للوقوع تحت مظلة مصطلح ومفهوم: العصور الكلاسيكية المتأخرة، أي ما بين القرن الرابع أو الخامس للميلاد، والقرن الثامن. وبحسب عشرات الكتب ومئات المقالات، تُستخرجُ آياتٌ وأمشاجٌ من القرآن، وتعاد الى أصولها المزعومة في الفترة السالفة الذكر فتظهر فيها عناصرُ مسيحية انشقاقية، وأخرى يهودية، أو هلنستية، أو عربية جنوبية، أو عربية شمالية. ولا يقتصر ذلك على القرآن، بل يشملُ أيضاً الكتابة التاريخية والفقهية والكلامية، وبالطبع العلمية والفلسفية. كما يصلُ الأمر الى الطابع الحضاري العام، والى أي ثقافةٍ أو حضارةٍ ينتمي القرآن والإسلام الأول.
لقد رأيتُ في خاتمة الورقة التي أعرضُ عليكم هنا موجزاً لها أنه ليس مُجدياً في القضايا التي تتعلق بالمنظومات الفكرية والعقدية والحضارية، قراءة الاستمرار والتواصل مع محيطها، من طريق النظر في هذا العنصر أو ذاك، أو هذا المفرد أو المفهوم أو ذاك، بل الأولى والأصح قراءة المنظومات والتواصل في خطوتين: الأولى دراسة المنظومة من حيث الخطاب والمفاهيم والعناصر في اشتغالها فيما بينها، وكيف تفعل في محيطها ويؤثّر فيها وتؤثّر فيه. والثانية النظر في البراديغمات، أو المقولات التي أطلقتها أو انطلقت منها. فالتلاؤم والاستمرار يكونان في النظر الداخلي لعملها، وتأثيرها في المحيط والتاريخ. أما النظرُ في الأصول، فلا يستقيم أن يكون نظراً في العناصر المستعارة أو المستمرة من المنظومات السابقة، بل تظهر جدليات التواصل والانقطاع في المقولات التي أطلقها الدين الجديد أو الثقافة الجديدة. ولو كان الشأنُ شأن عناصر مأخوذة من هنا وهناك لما استطاعت المنظومة الاشتغال في عالم الواقع والتاريخ. إن المقصود هنا ليس الإنكار على القراءات التاريخية والأدبية للنص المقدس، وللإسلام التاريخي، بل المُرادُ اعتبار القرآن والنتاجات المتفرعة عنه نصوصاً لها نظام خطابٍ ورؤية للعالم، ومنظومات، وليس مجموعةً من الأمشاج والعناصر المتشرذمة والخطابات المتناقضة لاختلاف مصادر مفرداتها وتصوراتها.
* موجز محاضرة أُلقيت في مؤتمر التواصُل التُراثي في مكتبة الاسكندرية بين 24 و27/5/2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.