جولات صراع سادها التراشق والاحتداد والاستفزاز والتهديد والمزاعم... خداع مبطن وسذاجة استراتيجية واستعلاء سياسي وبربرية عسكرية اكتنفت أعماق الحوار الأميركي - الإيراني متصاعدة نحو اللحظة المستحيلة التي ربما تجازف الولاياتالمتحدة فيها معلنة دخول حرب جديدة مع الكيان الإيراني الذي لم يجتز مراحل الطفولة النووية! ففي إطار الظرف الكوني الحرج والذي يشهد تصدعات كبرى في العلاقات الدولية مبعثها ذلك السعي اللاهث نحو المصالح الذاتية القومية المطيحة بمصالح الآخر، تطرح إيران مبدأ سياسياً على درجة من الاعتدال والتوازن مؤداه أن تكون الطاقة النووية السلمية حقاً مكفولاً مشروعاً للدول كافة، بينما السلاح النووي ليس حقاً للدول التي تحتكره، فإما أن يكون هناك شيوع لهذا الحق وتعميمه أو انتزاعه وتجريد الدول التي تستقوي به وتعتبره شرط وجود، بينما يشيد الأميركيون بعكس ذلك المبدأ، مشيرين إلى أن الطاقة النووية ليست هناك ضرورة لتصنيعها ما دام هناك إمكان للتزود بها من دول أخرى. ويأتي ذلك نتيجة لضرورة عدم الفصل بين السلاح النووي والطاقة النووية المتحولة في رؤيتهم بالضرورة إلى سلاح نووي وليست هي الطاقة الموظفة أو الداعمة للأغراض السلمية وهو ما يعني وجود فصل قاطع بين أهلية التصنيع وأهلية الاستهلاك لبعض الدول دون بعضها، من ثم فالسلاح النووي والطاقة النووية يجب أن يظلا مقصورين في امتلاكهما على دول بعينها، وعلى ذلك تتجلى الإشكالية في عنصرية الموقف وازدواجية المبدأ، وهو ما جرّ على الولاياتالمتحدة دائماً صنوفاً من التشكيك وإهدار الصدقية حالت دائما دون اعتمادها رمزاً للعدل الدولي. إذ كيف تسنت للأميركيين الدعوة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل من دون الإشارة إلى ضخامة الترسانة النووية الإسرائيلية وهولها؟ وهل تنتمي هذه الترسانة جغرافياً إلى منطقة أخرى غير الشرق الأوسط؟ وما الوسائل الفاعلة للضغط على إسرائيل لتوقيع معاهدة منع الانتشار النووي؟ وهل ينتظر أن تتحقق مثل هذه الخطوة مهما كانت وسائل الضغط في ظل الاستطالة والغطرسة الإسرائيلية؟ وهل يمثل موقف إيران في العرف الدولي – قياساً على إسرائيل - انتهاكاً صارخاً وخروجاً على أحكام معاهدة حظر الانتشار لإصرارها على تطوير قدراتها النووية؟ وهل تلتزم الولاياتالمتحدة مستقبلاً حظر استخدامها أسلحتها النووية ضد أي دولة لا تملك سلاحاً نووياً مهما كانت درجة العصيان والانفلات من القبضة الأميركية؟ وما المعنى الكامن – والنتيجة ثابتة - وراء تخفيض الترسانة النووية الأميركية إلى النصف، بينما النصف الآخر يمكن أن يدمر العالم بأسره مرات ومرات؟ وهل يمثل قرار قطع إمدادات الغاز لإيران عقوبة رادعة يمكن أن تقابلها تنازلات؟ وإذا كانت معاهدة حظر الانتشار النووي منحت صكاً للدول الأطراف لتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، فأين تكمن الإشكالية الأميركية بالنسبة إلى إيران؟ وهل تتوازى مسارات التحرك الدولي ضد إسرائيل لإخضاع منشآتها النووية للتفتيش مع المسارات الضدية للتحرك الأميركي ضد إيران ثأراً من ذلك التحيز السافر للتحالف المقدس؟ وعلى ذلك، فالسوريالية الأميركية تتمثل في أنه إذا كانت المصالح القومية العليا لا تحميها إلا القوة، وهذا هو منطق الواقع السياسي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، من ثم فالادعاء بضرورة خلو العالم من أسلحة الدمار الشامل إنما هو دعوة طوباوية وسوريالية متجاوزة لطبيعة العلاقات المنطقية بين الأشياء، وتنطلق هذه السوريالية حثيثاً نحو الأفق الإيراني متمثلة في الحيلولة دون بلوغ الوضع النووي المأمول بدعوة أن هذا الوضع سيكون مهدداً لأسس او ركائز الأمن العالمي والأمن الأميركي في شكل خاص، بينما لا يمثل وجود الترسانة النووية الأميركية أية مخاطر على الأمن العالمي، لأن هذه الترسانة هي رسالة السماء والقوة الحافظة المحققة للحماية الكونية والاستقرار الإنساني. أما السوريالية الإيرانية فقد مالت نحو منعرج آخر له طابع الغطاء السياسي المتجاوز لتأزم الواقع والعابث في ضروب ما وراء الحقيقة، فجاءت مشاهدها متجسدة في إبرام اتفاق خاص مع كل من البرازيل وتركيا في شأن تبادل الوقود النووي وذلك تأكيداً لشيوع افتقار الكيان الإيراني الى الوقود المخصب وهو ما ينفي اشاعة السعي نحو امتلاك السلاح النووي الى جانب وضع الدول الغربية في بوتقة الحرج السياسي مع الدول الموقعة مع إيران نظراً لحساسية العلاقة وتحريضاً على صناعة أعداء جدد، باعتبار أن ما حدث وفي رؤية الآخر هو اتفاق وهمي وكوميديا سياسية ماكرة ربما تحول دون تنفيذ البنود العقابية الأميركية المقترحة. لكن الغرب هو الغرب لا تزال تخترقه الهواجس والشكوك في النيات الإيرانية، لكن ماذا هو فاعل وقد سبق السيف العزل؟ * كاتب مصري.