لم يطح اعلان وزيرة الخارجية الاميركية، هيلاري كلينتون، عن اقتراحها على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مشروع عقوبات جديد على طهران، اتفاق طهران. والحوادث الاخيرة هي دليل على تغير العلاقات الدولية، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وبروز نجم تركيا والبرازيل في عالم السياسة. ويحمل الرد الاميركي صدى «احتكاك» حاد بين القوتين الصاعدتين والقوى الكبرى التقليدية. واعلان السيدة كلينتون يجافي الحقيقة. فهي زعمت ان دول مجلس الامن تدعم مشروع العقوبات الاميركي. ولكن المشروع المُجمع عليه هو نسخة «مخففة» من المشروع الاصلي، وعُدِّل نزولاً على طلب موسكو وبكين. ويكاد الإجماع على القرار في مجلس الامن أن يكون مستحيلاً. وتعارض تركيا والبرازيل ولبنان مشروع القرار. ومصادقة الغابون والمكسيك على القرار غير ثابتة. ويبدو أن مشروع السيدة كلينتون يتداعى، وهو مجهول المصير. ولكن هل تدفع تركيا والبرازيل ثمن موقفهما المعارض لواشنطن؟ فالإعلام الاميركي شن حملة حادة على البرازيل، قبل توقيع اتفاق طهران. ويتعاطف الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، مع ايران. فبلاده واجهت صعوبات في تطوير برنامجها النووي. وليست تركيا دولة صغيرة يستهان بها، على ما تحسِب واشنطن. فاقتصادها يحل في المرتبة ال16 عالمياً. وتركيا ترفض فرض عقوبات جديدة على طهران. تضر بمصالحها. وجليّ أن ثمة حدوداً للتعاون الاميركي - التركي تقف عندها أنقرة، وترسمها مصالح تركيا الداخلية او الخاصة. عندما قامت تركيا والبرازيل بإقناع طهران باتفاق تبادل اليورانيوم كانت تنسق مع واشنطن وبعلم من الرئيس اوباما. ولكن لا اميركا و لا أي دولة من الدول الست (5+1) كان يتوقع أن تنجح تركيا والبرازيل في اقناع طهران بما فشلت هي فيه بجينيف في تشرين الاول (اكتوبر) العام الماضي. وقد نجد العذر لأوباما الذي فوجئ، خصوصاً ان مجلس العموم كان يريد عقوبات على طهران. وهذا عامل مهم في ميزان السياسة الداخلية في اميركا. والاتفاق الموقع لا ينص على وقف التخصيب على خلاف ما يريد الغرب، لأن تركيا و البرازيل منحازتان الى طهران. وعلى هذا، فاستمرار اميركا على فرض العقوبات في مجلس الامن هو احد الادلة على استمرار قيادتها العالم. وهو امر قد تضطر اليه عن غير رغبه وانما من اجل تأكيد قوتها. وتبقى الجهود التركية والبرازيلية كمن صب الماء على طبخة اميركا الجاهزة للأكل. معنى هذا ان موازين القوى قد تغيرت في العالم، وأن اللاعبين الذين بدأ نجمهم يسطع في السماء الدولية اصبحوا ينافسون الغرب وقوته وسياساته. * معلق عن «راديكال» التركية، 22/5/2010، إعداد يوسف الشريف