حجز مصطلح «تصحيح الجنس» الطبي موقعه ببطء في قاموس المجتمع السعودي، مكرهاً بعض أفراده إلى حد ما على تقبل فكرة التصحيح إذا دعت الضرورة الطبية «الملحة» إليها، إلا أن هذا لا ينفي الشراسة التي ينبذ بها المجتمع غالباً ذوي الجنس المبهم أو «المختلط»، والأوصاف القاسية التي يصمونهم بها. ويعد مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز الجامعي الوحيد الذي اهتم بإيجاد مركز متخصص في حالات تصحيح الجنس، خصوصاً مع إجازة المجمع الفقهي ورابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء في السعودية والأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية لعمليات تصحيح الجنس، وتحريمها في المقابل «تغيير الجنس». ويقف استشاري جراحة الأطفال رئيس مركز تصحيح الجنس البروفيسور ياسر صالح جمال على رأس المركز في المستشفى الجامعي، وهو أول من أصل مصطلح تصحيح الجنس كمصطلح علمي اجتماعي وأول من استعمل «اختلاط» في تحديد الجنس، إذ كان قبله يستعمل مصطلح «الخنثى»، ودائماً ينظر له الناس وكأنه عيب أو شتيمة. ويعرف البروفيسور جمال تصحيح الجنس بأنه تعديل خلل خلقي في البنية الجسدية الخاصة بالجهاز التناسلي للإنسان، إذ يجعله هذا الخلل يبدو كالأنثى بينما هو ذكر أو العكس، فتصحيح الجنس هو إعادة من وجد به عيب خلقي في جهازه التناسلي إلى الوضع السليم. وقال ل «الحياة»: «إن هذا يختلف تماماً عن عمليات تغيير الجنس التي لا يعاني فيها الشخص من عيب أو خلل خلقي في بنيته الجسدية وجهازه التناسلي ولو تزوج لأنجب، ولكن شعور منه يجعله يتمنى الانتماء إلى جنس الإناث أو العكس، وهذا خطأ ومحرم، وتترتب عليها مشكلات أسرية خطرة، إضافة إلى مشكلات الميراث والحقوق الشرعية». ويلقي المجتمع السعودي «الذكوري» بظلاله على عمليات تصحيح الجنس حتى عند المقتنعين بها، إذ يكشف البروفيسور جمال سعادة واستعداد مرضاه الذين يخضعون إلى علميات تصحيح من الأنوثة إلى الذكورة، مرجعاً ذلك إلى مساحة الحرية التي يحظى بها الذكور في المجتمع، فيفرح المصحح بهذه الحرية ويستعد لقيادة السيارة ولعب الكرة وغيرهما. في المقابل - بحسب البروفيسور جمال - «يأتي المريض الذكر الذي تستلزم حاله التصحيح للأنوثة، (إذ من الصعب جداً عليه تقبل الموضوع) فيرفض ويقاوم، ويرغب في الاستمرار، ويهرب خوفاً من العيب والعار، لكني أرفض وأسعى لإقناعه بتصحيح وضعه، فهو في الحقيقة أنثى ولا بد من تصحيح جهازه التناسلي». ويتابع: «حتى عند الأطفال تحدث مثل هذه الأمور، إذ يرفض بعض الآباء تصحيح جنس طفله الذكر، وهذه قصة واقعية حصلت، إذ رفض الأب تصحيح جنس طفله وأراده ذكراً على رغم محاولاتي لإقناعه حتى بلغ سن الطفل تسع سنوات وعندها رضخ الأب للأمر بعد أن لم يجد بداً منه». وكشف تلقيه طلبات من بعض رواده لتغيير جنسهم من الأنوثة إلى الذكورة أو العكس، موضحاً أنهم في المركز يرفضون إجراء عمليات التغيير لأنها باطلة «شرعاً وطباً» ويترتب عليها إخلال في الحقوق للشخص وأهله والمجتمع. وروى البروفيسور جمال قصة فتاة جاءته راغبة في تغيير جنسها إلى رجل، ثم ذهبت للقضاء لتستفتي وتطلب خطاباً لتغيير وثائقها ومن ثم حصتها في الميراث، وعندما سئلت في هذه القضية قلت إنها باشرت «التغيير المحرم» لا «التصحيح المباح». وأوضح أن 90 في المئة من حالات تصحيح الجنس في السعودية تتم بعد الولادة مباشرة، ناصحاً في ذلك أولياء الأمور بقبول التصحيح مبكراً إذا كان لا بد منه، مع التكتم في العلاج، لأن الطفل الخاضع للتصحيح سيعيش طبيعياً بقية حياته، ولا داعي لمعرفة الآخرين بحاله.