صدقت المنسقة العامة لاحتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009» الكاتبة والاكاديمية ليلى بركات حين قالت في مقابلة مع «الحياة» قبيل بدء نشاطات الاحتفالية أن «بيروت ستشهد سنة ثقافية لم تشهد مثلها من قبل». ويمكن الجمهور اللبناني وخصوصاً قطاعي الثقافة والمجتمع المدني، أن يكونوا شاهدين على ذلك ويؤكدونه اليوم في حفلة اختتام الاحتفالية التي يرعاها ويشارك فيها وزير الثقافة سليم وردة في قصر اليونيسكو في بيروت، السابعة مساءً. ولا يمكن الا التوقف عند الجنود المجهولين الذي عملوا على إنجاح 564 مشروعاً و1200 نشاط بامتياز، بقيادة بركات التي وضعت استراتيجية محكمة استطاعت استنهاض المجتمع المدني والقطاع الخاص للعمل في مجال صناعة الثقافة واستثمارها معنوياً ومادياً. وهذا ما خلق دينامية ثقافية على الصعيد الوطني بدّلت الصورة الشاحبة التي باتت عليها المدينة في السنوات الأخيرة، وفجّرت طاقات جديدة وسلّطت الضوء على مبدعين جدد أو مغيّبين. وهذه الاستراتيجية العملية تكمن أهميتها بحسب ما تقول بركات في «واقعيتها ووضوح رؤيتها وفي إعطاء الأولوية للقطاع الخاص والمجتمع المدني لاستنهاض جيش من العاملين والمهتمين والمبدعين في المجال الثقافي الذي أثبتنا أنه صناعة تدرّ أرباحاً معنوية ومادية». ومن هنا لم يكن مستغرباً أن تخبرنا «قائدة» الاحتفالية أن الإنجازات المهمة التي حقّقها لبنان خلال هذه السنة وبميزانية أقل بكثير من ميزانيات الدول التي استضافت الاحتفالية سابقاً، «جعلت دولاً مثل سلوفينيا وأرمينيا والارجنتين والإمارات تطلب مساعدة فريق «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» في تنظيم الحدث وإعطاء الخبرات اللازمة». كالنحلة بلباسها الأبيض وابتسامتها المراهقة تستقبلك في الصباح الباكر في مكتبها في قصر اليونيسكو، حيث كانت تحضر قبل عمال النظافة أحياناً عند السادسة والنصف صباحاً. هنا حيث كان الديكور الجميل والترتيب اللافت والهدوء الحذر تسيطر كلها على المكان في آذار (مارس) الماضي، لا تعرف الآن أين تضع رجلك من كثرة المجلات والكتب والملفات والدراسات التي ما زالت قيد الطبع. هنا لا يمكن النحلة أن تستقر على كرسيها أكثر من عشر دقائق، لأن الزوار والمهنّئين والأدباء والباحثين، ما زالوا يتوافدون لتسليم فواتيرهم وموادهم وإنتاجاتهم... هنا تبدّل حرم وزارة الثقافة الذي لا نسمع باسماء مشاريعه إلا في حالات الرقابة أو النشاطات النادرة، وصار خلية نحل. وقضت ليلى بركات أكثر من 15 ساعة يومياً على مدار 18 شهراً تقريباً. فالنوم لا يزورها إلا لأربع أو خمس ساعات في اليوم فقط. لكن ما هي العوامل التي أدت الى هذا النجاح؟ تُذكّر بركات أنه عندما كلّفها النائب ووزير الثقافة السابق تمام سلام بوضع استراتيجية لاحتفالات العاصمة، «لم يكن لدينا مكاتب ولا تلفونات ولا حتى موازنة. ولكن بعد ستة أشهر من عملنا حصلنا على تمويل من موازنة الدولة بقيمة 3.4 ملايين دولار، تبعتها أخيراً عندما تسلم الوزير سليم وردة حقيبة الثقافة مليون دولار، إضافة الى مساهمة بلدية بيروت بمليون دولار، ومساهمة بعض السفارات الأجنبية». ويحلو لبركات أن تؤكد عوامل النجاح بالأرقام والأمثلة الدقيقة التي تُطلعك عليها على شاشة الكومبيوتر، مشيرة الى أن «دراسة الجدوى التي سبقت وضع الاسترتيجية ساعدتنا في أن تكون خطتنا واقعية جداً، ونجحنا لأن القطاع الثقافي متعطّش للتمويل، وهناك طاقات هائلة كانت تنتظر اليد الممتدة لها والتمويل حتى تنفجر وتعمل». وتلفت الى أن هذه الطاقات التي تنتمي غالبيتها الى عمر الشباب، هي الفئات التي ليس لها وسيط في هذا الحزب أو ذاك، وليست محسوبة على تيار سياسي معيّن. وتُشدّد بركات على نقاط أساسية ساهمت في نجاح الاحتفالية هي «حماسة الناس، والتعاون، وعدم فكرة أن نكون المموّل الوحيد، فالمشاركة بين المواطنين والهيئات الأهلية ومنسقية الاحتفالية». وتضيف أن «الشفافية التي اتبعناها في التعامل مع المال العام ومع الممولين زادت الثقة فينا وحمّست الناس للعمل معنا». وتتباهى بركات بأن منسقية الاحتفالية استطاعت أن تخلق «لوبي» سياسياً حول مشاريعها، إذ «كان الوزراء طارق متري وتمام سلام وسليم وردة ورئيس بلدية بيروت عبدالمنعم العريس شركاء حقيقيين قاموا بالضرورات اللازمة لتأمين التمويل وسير الأمور على أحسن ما يرام». ولا تنسى بركات أن تنوّه باندفاع فريق العمل والمنظمين والقائمين على المشاريع التي دعمتها الاحتفالية، مشيرة الى أن «هناك عشرات من المشاريع كادت تُلغى، مثل «الكتاب مساحو المدن» وغيره. ولكن كنا نتدخّل ونعلن حالة طوارئ إدارية ونبذل كل جهدنا كي ننقذ كل المشاريع». وترفض بركات تصنيف بعض المشاريع بالفاشلة كما صنّفها بعض الصحافيين، معتبرة أن كان هناك مشاريع نخبوية مثل تظاهرة الأدب الإيبوأميركي، ومشاريع غير نخبوية تطاول أفراد المجتمع مثل أسبوع المطالعة. وترى أن «هناك مشاريع كانت صغيرة وتستهدف أهالي القرى والبلدات الذين هم الفئة المستهدفة في استراتيجيتنا التي تعوّل على دعم المطالعة لدى الناس الذين لا يقرأون. وتشجيع القراءة يعني دعم قطاع النشر وإيصال الكتاب الى أكبر عدد ممكن والتعاون مع البلديات والمدارس والجامعات والجمعيات الأهلية وحثّ الأهل على القراءة مع أولادهم. وسعينا للتغطية إعلامية ليشعروا أنهم جزء أساسي من الاحتفالية. وهذه المشاريع والنشاطات الصغيرة والمتفرقة أخذت الكثير من جهدنا ووقتنا». عندما رأينا ليلى بركات متفائلة جداً في بداية الاحتفالية، ظننا أنها تُبالغ وأن ضغوطاً سياسية وطائفية وأيدياً مبلّلة بالفساد، ستُفشل عملها. لكنها تؤكد «لم نتعرّض لأي ضغوط ودخلنا كل المناطق وغالبية القرى من شمال البلاد الى جنوبها، بتعاون وثيق مع البلديات والأهالي، ولم نسمح لأي ضغوط سياسية أن تعرقل استراتيجيتنا». واللافت أنه في حين كانت المنسقية العامة للاحتفالية تبحث وتُقيّم مشاريع جديدة تُقدّم إليها (ظل باب الطلبات مفتوحاً طوال السنة)، كانت تُنفّذ مشاريع أخرى وتديرها وتنظّمها. ومن هنا تشرح بركات أن ال 160 مشروعاً الذين طرحتهم المنسقية في آذار (مارس) 2009، وصلت الى 564 مشروعاً و1200 نشاطاً. إذاً يمكننا التأكد من أن معدل تنفيذ المشاريع هو 350 في المئة بالنسبة الى المخطط الأساسي. واعتبرت أن هذه الاحتفالية وفرت مردوداً معنوياً ومادياً للبنان، مشيرة الى أن هناك مشروع دراسة بات جاهزاً بقيادة الباحثين كمال حمدان وعلي حرب، حول مقاربة الثقافة كقطاع اقتصادي منتج، مع التركيز على دراسة حالة احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب». ونفت بركات أن يكون لديها نية للبقاء مع وزارة الثقافة اللبنانية وتنشيط مشاريعها على مدار العام، معتبرة أن الاحتفالية «زرعت مشاريع ثقافية تنموية على مستوى الوطن ويمكنها أن تستمر وتولد مشاريع أخرى». ووعدت بركات أن تصدر في آخر حزيران تقريراً عن سياسة الاحتفالية ومشاريعها وكواليسلها، من «باب الأمانة على المال العام وعلى أهمية اتباع سياسة توثيق أعمالنا ومشاريعنا».