تجدد الجدل في مصر حول تعديل مناهج التربية الدينية في المدارس بعد إعلان وزير التربية والتعليم أحمد زكي بدر شروع الوزارة، بمشاركة دار الإفتاء، في تعديل هذه المناهج، التي قال إنها تحوي نصوصاً تحض على العنف وكراهية الآخر. لكن معارضين للتعديل يرون أن هذا الاتجاه سببه الخضوع لضغوط خارجية من أجل تنقية هذه المناهج من النصوص التي «تمجد الجهاد ومحاربة المحتل». وعلى رغم أن تدريس الدين لا يحظى باهتمام كافٍ في مدارس التعليم قبل الجامعي في مصر، إلا أن أي حديث عن تعديله يواجه بانتقادات شديدة. وواقع الحال في غالبية مدارس مصر أن دراسة الدين هي «على الهامش»، فمادة التربية الدينية لا تضاف إلى مجموع درجات الطالب، كما أن مدرسيها ليسوا متخصصين أصلاً، وحصة التربية الدينية الإسلامية قد يؤديها أي مدرس مسلم، كما أن تدريس الدين المسيحي لا يقوم عليه قس أو رجل دين «بل يكفي أن يقرأ مدرس مسيحي للتلاميذ ما تقع عليه عيناه». وعلى رغم أن هذه المرة ليست الأولى التي يعلن فيها عن تعديل مناهج التربية الدينية لتصدر البيانات المنددة وتقدم الاستجوابات البرلمانية الرافضة وتشن الحملات التي تنادي بالتمسك بالثوابت، إلا أن القرار الجديد بدا أنه اتخذ سبيله إلى التنفيذ، إذ أعلن وزير التربية والتعليم ومفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، في مؤتمر صحافي في نهاية نيسان (أبريل) الماضي، الشروع في تطوير هذه المناهج. وسلم المفتي الوزير خطة هذه العملية و «كتاب الأخلاق» المزمع تدريسه في مدارس مصر قريباً. وأكد وزير التعليم والمفتي ضرورة تطوير المناهج الدينية كي تتواءم مع متغيرات العصر. وعزا بدر عملية التطوير إلى «وجود عبارات في مناهج التربية الإسلامية فسرها البعض بأنها تحرض على العنف». وأثار تنسيق وزارة التربية والتعليم مع دار الإفتاء في تطوير مناهج التربية الدينية استياء دوائر مؤسسة الأزهر المفترض أنها جهة الاختصاص للنظر في هذه المناهج، ما استدعى تعليقاً من المفتي أكد فيه أن الأزهر هو المرجعية الأولى والوحيدة في مصر المنوط بها اعتماد أي تطوير أو مراجعة للمناهج الإسلامية. لكن الأزهر لا يرى حاجة إلى تعديل هذه المناهج. إذ يقول وكيل الأزهر رئيس قطاع المعاهد الأزهرية محمد عبد العزيز واصل ل «الحياة» إن مناهج التربية الدينية التي تُدرَّس في المدارس «ممتازة جداً» ولا تحتوي على أي نصوص تحض على العنف والكراهية كما ذكر وزير التربية والتعليم، مشيراً إلى أن الأزهر راجع هذه المناهج قبل تدريسها. وأكد أن الأزهر لم يشكل أي لجان هذه الأيام لمراجعة المناهج وأنه جهة الاختصاص للنظر في هذا الأمر. كما رفض عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر عبد المعطي بيومي قول وزير التعليم بأن مناهج التربية الدينية تتضمن نصوصاً تحض على العنف، وتساءل: «أين كان الوزراء السابقون حين كانت تُدرَّس هذه المناهج؟ وهل اكتشف وزير التعليم هذا الأمر فجأة؟». وأكد ل «الحياة» أن مناهج التربية الدينية لا تحض على العنف. وقال: «أتحدى وزير التعليم أن يستخرج من مناهج التربية الدينية نصاً فيه حض على العنف». وعلى رغم ذلك يؤيد بيومي مراجعة المناهج التعليمة كل ثلاث سنوات من أجل تطويرها، وليس ضرورياً أن يكون هناك سبب وراء عملية التطوير «لكن أن يقال إن السبب هو أن المناهج تحض على العنف فهذا أمر مرفوض». وشدد على أن المؤسسة الدينية الأعلى في مصر هي الأزهر الشريف وهو المخول النظر في تطوير المناهج لأن الأوقاف ودار الإفتاء لا يملكان الإمكانات اللازمة للقيام بمثل هذه المهمة. وأشار إلى أن علماء من الأزهر وأساتذة تربية وخبراء، بينهم شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب، أعدوا قبل سنوات مشروعاً لتطوير مناهج التربية الدينية قُدم إلى وزير التعليم السابق أحمد جمال الدين «لكن لا يعرف مصيره إلى الآن». وتساءل: «إن كانوا يريدون تطويراً للمناهج فلماذا لم يأخذوا بهذا المنهج؟». وأمام تأكيد علماء الأزهر أن مناهج التربية الدينية لا تحض على العنف برز تفسير آخر للشروع في تغيير هذه المناهج، إذ اعتبر القيادي في حزب «الوسط» (تحت التأسيس) ذو الخلفية الإسلامية عصام سلطان أن قرار تعديل مناهج التربية الدينية «سياسي» هدفه «إرضاء بعض الأطراف الخارجية»، الأمر الذي رفض الدكتور عبدالمعطي بيومي نفيه أو إثباته. وقال: «ليست لديَ معطيات بوجود ضغوط خارجية، لذلك لا أثبت ولا أنفي هذا الأمر»، فيما نفى وزير التربية والمفتي وجود مثل هذه الضغوط مطلقاً، وأكدا أن موضوع التطوير قرار إصلاحي داخلي خالص. نقطة أخرى أثارت انتقادات رجال دين ومراقبين هي إعلان بدر وجمعة وضع منهج لمادة التربية الأخلاقية، قال المفتي إنه مستوحى من وجهة نظر إسلامية ويدعو إلى الاهتمام برقي الإنسان، الذي هو معيار التقدم، غير أن النائب في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) عن جماعة «الإخوان المسلمين» علي لبن تقدم ببيان عاجل إلى البرلمان حول «تجاوزات وزير التربية والتعليم بخصوص تأليف كتاب للأخلاق يرضي الدينيين واللادينيين بما يتعارض مع القانون والدستور ويهدد السلام الاجتماعي». وقال النائب في بيانه إن «تجربة تدريس كتاب للأخلاق يرضي الدينيين واللادينيين ثبت فشلها من قبل بسبب تزوير كتب الأخلاق لحقائق الدين ونسبة فضائله إلى المجهول وهذا يؤكد استحالة فصل مبادئ الأخلاق عن الدين». أما عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الدكتور عبدالمعطي بيومي فقال ل «الحياة» إن «تدريس الأخلاق بانفصال عن التربية الدينية هو مقدمة لإلغاء مادة الدين من المناهج التعليمية»، رافضاً الفصل بين الأخلاق والدين، ومؤكداً إجماع علماء الأزهر على رفض هذا الفصل. لكن المفتي أكد أن كتاب «الأخلاق» ليس بديلاً من منهج التربية الإسلامية «لأن الكتاب الجديد يهتم ببناء الإنسان كونه محور عملية التنمية، ما يجعله أكثر تعايشاً مع جميع أفراد المجتمع». وحقيقة الأمر أن هذا الجدل هو في غير محله، لأن المصريين لا يستقون ثقافتهم الدينية من المدارس أصلاً بل من المساجد والكنائس بالأساس وأيضاً من أسرهم. وبذا يمكن القول إن التشدد ينتقل من المجتمع إلى المدرسة وليس العكس، وهو ما يعكسه مشهد مغادرة مجموعة من التلاميذ فصلهم الدراسي بمجرد دخول مدرس التربية الدينية، لا لشيء إلا لكونهم أقباطاً.