دعم سعودي للحل السياسي الإمارات تستجيب وتعيد قواتها من اليمن    اعتراف خارج القانون.. ومخاطر تتجاوز الصومال    ضمك يتذوق طعم الانتصار    الصين تنتقد صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان    مدرب السودان يتحدى: لا نخاف حتى من البرازيل والأرجنتين    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية باكستان    ضبط يمني في نجران لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر،    الاتحاد السعودي لكرة القدم يستنكر تصريحات رئيس الاتحاد الفلسطيني    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    الأهلي يفقد روجر إيبانيز أمام النصر    مطار الملك سلمان الدولي يدشن أعمال إنشاء المَدرج الثالث    مجلس الوزراء: السعودية لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    أمير القصيم يستقبل المجلي والسلطان ورئيس وأعضاء جمعية مستقر للإسكان والترميم برياض الخبراء    أمير نجران يسلّم أمين المنطقة شهادة شكر من هيئة الحكومة الرقمية    أبو الغيط يدعو إلى الوقف الفوري للتصعيد وتغليب لغة الحوار في اليمن    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    مدير تعليم الطائف يثمن جهود المدارس في رفع نواتج التعلّم    هل المشكلة في عدد السكان أم في إدارة الإنسان    وكالة وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية تشارك في التمرين التعبوي لقطاعات قوى الأمن الداخلي (وطن 95)    السجل العقاري شريك مستقبل العقار في النسخة ال5 لمنتدى مستقبل العقار 2026    المتاحف والمواقع الثقافية بمكة المكرمة.. منصات معرفية    مجلس القيادة الرئاسي اليمني يقرر إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة    مهاجم الهلال يتربع على قائمة أمنيات جماهير فلامينغو    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    تراجع أسعار النفط    300 ألف متطوع في البلديات    معرض «بصمة إبداع» يجمع مدارس الفن    وزير التعليم يزور جامعة حائل    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    نتنياهو يسعى لخطة بديلة في غزة.. حماس تثق في قدرة ترمب على إرساء السلام    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    7.5 % معدل بطالة السعوديين    رامز جلال يبدأ تصوير برنامجه لرمضان 2026    التقدم الزمني الداخلي    المزارع البعلية.. تراث زراعي    متى سيعاود سوق الأسهم السعودي الارتفاع مجدداً؟    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    الرئيس الأمريكي يلوح باقتراب السلام.. وزيلينسكي: ضمانات 50 عاماً على طاولة ترمب    «عريس البراجيل» خلف القضبان    محمد إمام يحسم جدل الأجور    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    معارك البيض والدقيق    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مادة «القيم والأخلاق» تعدّ ل «اجتياح» التقاليد المصرية؟
نشر في الحياة يوم 07 - 05 - 2009

يقف الأستاذ باستقامة أمام اللوح، ويردّد «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا». قالها الأستاذ خمس مرات حتى يحفظها طلاب الصف الأول الإعدادي، عن ظهر قلب. وأضاف: «لو طلب منك في الامتحان كتابة موضوع تعبير عن قيمة الأخلاق، تكتب هذا البيت فوراً. أما إذا كان السؤال عن قيمة العمل فأمامك اختياران، إما الحديث الشريف: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، أو الآية القرآنية الكريمة: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
كتب الطلاب بيت الشعر والحديثين، ثم وزع المعلم عليهم ورقاً مطبوعاً عليه نموذجان للموضوعين المتوقعين في امتحان التعبير لآخر العام، وقبل أن يبرح الفصل قال لهم: «أظن لو رسب أحدكم في التعبير بعد كل هذا، فيستحق الإعدام لأنه غبي».
وعلى رغم شعور الطلاب بقدر غير قليل من القرف تجاه اختيارات «الأستاذ» اللفظية، فإن شعورهم بالسعادة والراحة لتركه الفصل كان أكبر. «أستاذ» اللغة العربية هذا ليس استثناء، بل يكاد يكون القاعدة في كثير من المدارس.
ويقول أستاذ اللغة الفرنسية في إحدى المدارس الحكومية: «لم يعد لدى المعلم الوقت أو المجهود أو الصبر أو الحافز الذي يجعله يعطي الطلاب أكثر من شرح الدرس المقرر من قبل وزارة التربية والتعليم». وبسؤاله عن موقع «التربية» من النظام التعليمي، يرد من دون تفكير: «كل طالب لديه أهل في بيته يربونه لو أرادوا. اتركوا المعلم لمشكلاته وسعيه ولهاثه وراء لقمة عيشه، ومن يريد أن يربي فعليه أن يفعل ذلك في البيت».
وفي بيوت ملايين من الأسر المصرية، تقبع في المخازن والعلب المغلقة تلال من كتب طبعتها وزارة التربية والتعليم قبل نحو خمسة أعوام لمادة دراسية جديدة أثارت في حينه قدراً غير قليل من الجدل هي مادة «القيم والأخلاق». ملايين من الكتب وزعت على تلامذة المرحلة الإبتدائية في مختلف ربوع مصر، وذلك في العام الدراسي 2002- 2003، وذلك بعد توصيات بإدخال هذه المادة إلى المناهج الدراسية.
وعلى رغم الأصوات المتخوفة من أن هذه المادة ستحلّ محل التربية الدينية، أو أنها مفروضة على النظام التعليمي المصري من الغرب، إلى آخر القائمة المعروفة من التفسيرات والتحليلات، فإن ملايين الجنيهات تم تخصيصها من موازنة وزارة التربية والتعليم، المثقلة أصلاً ببنود إنفاق لا أول لها ولا آخر، وخرجت المادة الجديدة إلى النور. لكنه لم يكن «نوراً» بالمعنى المعروف، إذ أثبت الواقع إنها «مادة هيكلية» طُبعت من أجل تحسين الواجهة وتلميع الصورة. فلم يحدث أن فتح معلم أو طالب الكتاب، إلا بدافع حب الاستطلاع. وظلّ وزير التربية والتعليم آنذاك الدكتور حسين كامل بهاء الدين، يؤكد مراراً وتكراراً أن المادة الجديدة تهدف إلى التشجيع على «قبول الآخر» و«تحض على قيم التقدم والأخلاق الحميدة والتعاون والصدق والتراحم بين الناس»، وعلى رغم أن أياً من تلك القيم لم يتم بثه أو زرعه أو حتى التمهيد له، فإن المادة اختفت بالسرعة نفسها التي قفزت بها إلى قوائم التلاميذ الدراسية.
وبدلاً من التغطيات الصحافية المكثفة حول جدلية تدريس مادة القيم والأخلاق، وعما إذا كانت مؤامرة غربية لتقويض الثقافة المصرية، وهل ستحل محل التربية الدينية، وتحديد مسؤولية حبس الكتب في الأدراج، ثم البحث عن من يحمل وزر إلغاء المادة انشغلت الصحافة بتغطية أخبار حوادث مدرسية متفرقة، بين أستاذ يركل تلميذاً ركلة تودي بحياته، وطالب يفقأ عين أستاذه، ومعركة بالمطاوي والأسلحة البيضاء في فناء مدرسة ثانوية، ودراسات ومؤتمرات وفعاليات حول تدهور دور المعلم التربوي، وتقهقر حالته المادية، وانعدام خبرته التربوية، ومعاناته من أجل تنمية دخله، والانفصام المجتمعي بين المدارس الدولية من جهة والحكومية من جهة أخرى وعشرات من القضايا التي تمزج بين الجانب التربوي، أو قلّته، والجانب التعليمي.
وعلى رغم أن خبراء كثيرين علت أصواتهم مطالبين بإصلاح أحوال منظومة التعليم على اعتبارها نقطة بداية لإصلاح منظومة القيم والأخلاق المنهارة في الشارع المصري، فإن المسؤولين يتبعون سياسة «أذن من طين والأخرى من عجين». وتظهر، هذه الأيام، الساحة الرسمية التعليمية منشغلة بكادر المعلمين، وتأسيس هيئات لقياس الجودة التعليمية، وإيجاد مبان مناسبة لها، والإشراف على اللجان المنبثقة من الهيئات ومراقبة تشكيلها ومراجعة مخصصاتها المالية، إضافة إلى قمع تظاهرات إداريي الهيئات التعليم المطالبين بزيادة الأجور، وكبت شكاوى وآهات طلاب الثانوية العامة وذويهم الذين يتجرعون مآسي نظام تعليمي مشوه.
أما القيم والأخلاق فهي، ولحين إشعار آخر، متروكة للجهود الذاتية، فمن كان لديه الوقت والجهد والمقدرة على بث أصول القيم وزرع جذور الأخلاق فليفعل في بيته مع أولاده، ومن كان غير قادر أو غير مدرك فعليه انتظار حلّ لمعايير الجودة، وفك طلاسم كادر المعلمين، وإعادة إحياء مادّة القيم والأخلاق فعلاً لا قولاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.