على رغم أن المناهج الدراسية في السعودية، تركز في شكل مكثف على توطيد القيم والالتزام بالأخلاق، إلا أن هناك تمرداً غير مسبوق على المسلّمات الاجتماعية بين طلاب وطالبات مدارس، إذ تتفشى بين عدد من هؤلاء، لا سيما الذكور، سلوكيات غير مقبولة، مثل احتقار معلميهم والاعتداء عليهم بالضرب، أو تحطيم سياراتهم. وتعرضت مدارس في مناطق مختلفة إلى هجوم جماعي من طلاب وأصدقائهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، استهدف معلمين تراوحت إصابتهم بين بسيطة ومتوسطة. وشغل موضوع الاعتداء على المعلمين، جهات رسمية مختلفة في الدولة خلال الأعوام الماضية، التي وعدت بدرس هذه المشكلة «الدخيلة على المجتمع السعودي». وعادة ما ينال الطلاب المعتدون عقوبات صارمة، تصل إلى السجن والمنع من الدراسة لفترة تصل إلى عام. وأظهر إحصاء نُشر اخيراً، أن مدارس محافظة الطائف شهدت عام 2007 أكثر حالات اعتداء ضد معلمين أو سياراتهم، تلتها المنطقة الغربية ب 14 حادثة، ثم جدة ب 11 حادثة، ومكة المكرمة ثماني حوادث. وكانت الحادثة الأشهر على مستوى السعودية، وقعت العام الماضي، حين هاجم طلاب مع أقاربهم في قرية نائية شمال السعودية، مدرسة واعتدوا على مدرّسين. ومن المستغرب أن قضايا الاعتداء هذه نادراً ما تحدث في المدارس الخاصة، التي يعتقد كثيرون من السعوديين أن مدرّسيها وغالبيتهم من الوافدين، يُنظر إليهم باحتقار من طلابها وطالباتها «المدلّلين الذين لا يخجلون من الرد على المعلم إذا اختلفوا معه، لأنهم هم من يدفعون راتبه». ويعزو عياد المطيري (33 سنة)، وهو أستاذ كيمياء في مدرسة ثانوية في شرق الرياض، تفشي حالات الاعتداء على المعلمين أو سياراتهم إلى «غياب ثقافة الحوار في المجتمع، وتفشي الظلم، إضافة إلى انتشار المخدرات بين شرائح من الطلاب». ويقول المطيري: «البيئة المدرسية بوضعها الحالي القائم على الروتين، غير محببة لدى كثيرين من الطلاب وحتى المعلمين، لذا يأتون كل صباح وهم بمزاج غير جيد، ما يوفر بيئة خصبة لاندلاع المشكلات». ويضيف: «أنا معلم ولا أنكر أن هناك زملاء لا يتورعون عن ظلم طلابهم وإهانتهم، ما يولد الانفجار لدى الآخيرين، ويظهر ذلك على شكل اعتداء يصل إلى الضرب». ويتهم المعلم فهد القحطاني وزارة التربية والتعليم، بالتساهل مع الطلاب على حساب هيبة المعلمين، «ما أفرز هذه المشكلة، التي ستتطور إذا استمرت وزارة التربية في سياساتها، فهي لا تتأخر في إخضاع معلم للتحقيق وإهانته، إذا وردت شكوى إليها ضده - وأن كانت تافهة - من ولي أمر طالب». ويلفت محمد، وهو موظف قطاع خاص، إلى «العنصرية المتفشية لدى بعض المعلمين، لذا لا يتورعون في اضطهاد الطلاب الذين لا ينتمون إلى منطقتهم». ويزيد: «أتذكر أن معلماً كان يتولى منصباً إدارياً في مدرستي الثانوية وينتمي إلى إحدى المناطق وسط السعودية، وكان مشهوداً له بالعنصرية، كما كان لا يتورع من التصريح بأنه سينظف المدرسة من بعض الطلاب الذين ينحدرون من مناطق بعينها». ويؤكد أن «هذا المعلم الذي لم يعمر طويلاً وتوفي شاباً، كان يحمي نفسه من الشكاوى بالاستناد إلى والده الذي يتولى منصباً مهماً في ذلك الوقت في وزارة التربية والتعليم». من جهته، يقرّ نائب وزير التربية والتعليم سابقاً الدكتور عبدالعزيز الثنيان بأنه لاحظ «تفشي سلوكيات غير مقبولة بين الطلاب والطالبات في المدارس، مثل الاعتداء على المعلمين». وعلى رغم أن الثنيان يؤكد أن المناهج الدراسية الحالية تركز على نشر الأخلاق الحميدة، يدعو إلى إدراج مناهج دراسية إضافية متخصصة في تعزيز وتطوير التكوين الأخلاقي لطلاب والطالبات، محمّلاً مسؤولية تفشي السلوكيات غير المقبولة إلى المعلمين والآباء والمجتمع. ويقول: «الطلاب والطالبات يفتقدون إلى قدوة يتبعون خطاها، وهذا خلل اجتماعي كبير، يعرف حجم خطورته من اشتغلوا في مجال التربية والتعليم». ويضيف: «على الإعلام أيضاً أن يؤدي دوراً إيجابياً في هذه المسألة، ويسلط الضوء على هذه المشكلة، في خطوة تمهّد إلى كبحها».