حضرت جبال المدينةالمنورة وأوديتها بقوة في أوراق عمل الباحثين، المشاركين في فعاليات «ملتقى العقيق» الرابع، الذي ينظمه نادي المدينةالمنورة الأدبي وافتتح مساء الثلثاء الماضي، ويختتم فعالياته اليوم. والملتقى الذي خصص للحركة الأدبية والثقافية في المنطقة، رصد وتناول سير أعلام طيبة من أدباء وشعراء ومؤرخين وباحثين، سكنوا المدينة وسكنتهم فأثروها بأحرف من شجن وكلمات ليست كالكلمات، ليتبادل المكان مع الإنسان، التوثيق بدلالاته الممتدة عبر التاريخ المروي شفاهة وكتابة. وأعاد المدير العام للتعليم في منطقة المدينةالمنورة الدكتور تنضيب الفايدي، في الورقة الأولى من الجلسة الصباحية، ضيوف الملتقى إلى حقب تاريخية متتابعة تناول فيها مبدعون في أدبهم مواقع لها تاريخ وذكرى منها «العقيق، وسلع، والنقا، والحمى، وإضم»، مشيراً إلى فتنة المكان ودورها في الإلهام وتوطيد العلاقة بين الكاتب والمكتوب عنه، لافتاً إلى تناول شعراء غير مسلمين لطيبة الطيبة شعراً ونثراً شوقاً وحنيناً إلى ساكنها النبي محمدصلى الله عليه وسلم وصحابته ومآثر الرسول العربي الخالدة في مشاعر العرب مسلمين ومسيحيين. من جانبها، تناولت الأستاذة في جامعة طيبة الدكتورة أسماء أبو بكر الجماعات الأدبية في المدينةالمنورة، موضحة أن الجماعات الأدبية أسهمت في تشكيل الوعي العام وتحويل المكان إلى حاضرة، مشيرة إلى نخبوية الجماعات وغلبة العشوائية على برامجها واعتمادها الخطاب الشفاهي، من دون توثيق للأنشطة المقدمة من خلال تلك الجماعات، لافتة إلى السجالات بين محمد حسين عواد وعبدالعزيز الربيع حول استحقاق شوقي إمارة الشعر العربي. فيما استعرض الدكتور محمد راضي الشريف الحركة الأدبية في المدينةالمنورة وأبرز ملامح التحولات بين جيلين منذ 1264ه، متناولاً ما أحدثه جيل الارهاصات من أثر للانعتاق من ربقة التقليد، مستحضراً تجربة الشاعر إبراهيم الإسكوبي وتقاطعها مع تجارب محلية وعربية. ونجح الباحث راسخ الكشميري في تناول الصالونات الثقافية في المدينة ودورها الريادي في نشر الوعي، وتعزيز الحضور المعرفي في المجتمع، مستشهداً بعدد منها، لافتاً إلى أن البعض من الصالونات الأدبية ترفي وساندته الثروة المالية التي تدفع صاحب المال إلى البحث عن وجاهة برغم جهله. فيما قارب أستاذ الأدب في جامعة جازان الدكتور عادل ضرغام في ورقته بين تجارب الشاعرة نادية البوشي والشاعر عيد الحجيلي والشاعر محمد الصفراني، لافتاً إلى ملمح التحولات في نصوصهم، وكتابة ذواتهم من خلال وعي فطري وتجريدي، وشعرية تعبيرية تجعل من المكان بطلاً، مؤكداً أن التغيير يلحق بالوعي قبل المكان. فيما تناول الشاعر والناقد خالد الإنشاصي في ورقته «فلسفة الحياة والموت في شعر الدكتور محمد العيد الخطراوي»، وكشفت ورقة عائض سالم القرني عن حس الانتماء في شعر الشاعر حسن الصيرفي، مستعرضاً علاقته بالمدينة من خلال أبيات قصيدته، ودخلت ورقة نائب رئيس أدبي القصيم الدكتور حمد السويلم إلى فضاء الناقد المدني عبدالعزيز الربيع، لتؤكد علاقته الوثيقة بالنقد عبر ما أُثر عنه من كتابات نقدية. الأنصاري يصحح المعلومات التاريخية وينتصر للمعهد العلمي أضفى حضور الباحث والأكاديمي الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري لملتقى العقيق الرابع طمأنينة تاريخية، إذ بادر إلى تصحيح معلومة وردت في ورقة أحد الباحثين متضمنة خبر إلقاء الدكتور طه حسين كلمة في المدرسة الثانوية في المدينة، مؤكداً أن طه حسين ألقى الكلمة في المعهد العلمي السعودي، ممازحاً الباحث بأن انتماءه للثانوية وراء نسبة كلمة عميد الأدب العربي إلى مدرسته، ما دفع الباحث للرد بأنه ناقل عن كتاب، ولم يخف الأنصاري الصراع الذي كان قائماً بين الثانوي والمعهد، مؤكداً في تعليق على الأوراق بأنه يأسف لتصدي بعض الموسرين مالياً لافتتاح صالونات معرفية وهم يعانون من أمية ثقافية، واصفاً أحدهم بأنه لا يحسن تركيب عشر جمل في سطر واحد. من جهة، أبدى الباحث المديني نايف فلاح تحفظه على استهلاك بعض الأوراق لزمن أطول من المحدد سلفاً من مدير الجلسة، موضحاً ل «الحياة» أن الأحق بتطبيق نظريات الحداثة هم منظروها، داعياً المشاركين في الملتقيات إلى تلخيص الورقة في دقائق وإتاحة الفرص للمداخلات كون البحث سينشر بكامله في كتاب توثيقي، لافتاً إلى أنه رصد بعض المدعوين يتسللون من قاعة الندوات مكتفين بالجلوس في البهو وطق «الحنك» (كناية عن الثرثرة)، متسائلاً عن الدافع لدعوة مثل هؤلاء الذين يشكلون عبئاً على الملتقيات وطعناً في خاصرتها. يذكر أن أمير منطقة المدينةالمنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز رعى حفلة الافتتاح، بحضور وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، وافتتح المعرض المصاحب للملتقى، الذي يقدم نتاج أبناء المدينةالمنورة الثقافي والدراسات التي أثروا بها المشهد المحلي. وقدم وزير الثقافة والإعلام كلمة رحب فيها بأمير منطقة المدينةالمنورة لرعايته الملتقى، ولمساندته الدائمة للحركة الثقافية في المنطقة. وقال خوجة: هآنذا أجدد العهد بكم في هذا الملتقى الأدبي الكريم منتدى العقيق في رحاب المدينةالمنورة، لنعمل معاً على تأصيل كلمة بانية أصلها ثابت وفرعها في السماء ولنضيف لبنة جديدة من صرح الأدب والثقافة في بلادنا، عبر هذا التنوع الثقافي والأدبي الذي يعبر عن المدى الثري الذي بلغته الثقافة والأدب في المملكة العربية السعودية»، مؤكداً حرصه على ما ستسفر عنه أبحاث الملتقى من كشوف جديدة لواقع الأدب والثقافة المدنية في العصر الحديث. ووصف رئيس النادي عبدالله عسيلان، في كلمته، الأمير عبدالعزيز بن ماجد ب«أمير المحبة والإخلاص والوفاء والتفاني» من أجل نهوض مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقال: «طيبة الطيبة مأرز الإيمان حب يفوق كل حب وإخلاص يغمر القلوب ولا غرابة في ذلك، فالمدينةالمنورة هي الأرض التي درج على ثراها الرسول صلى الله عليه وسلم فكل شبر فيها تاريخ شاخص يفوح بأريج النبوة». وقدم الباحث محمد القشعمي كلمة المشاركين وأعرب فيها عن سروره بإلقاء كلمة المشاركين، شاكراً للنادي إتاحة الفرصة للتحدث والتوثيق للحركة الأدبية بالمدينةالمنورة، وإعطاء كل ذي حق حقه وتكريم كل من له واجب التكريم. وقرأ الدكتور عاصم حمدان كلمة المكرمين، وشكر في بدايتها أمير المنطقة، ثم تحدث عن تاريخ الشعر في المدينةالمنورة، مشيراً إلى أن المدينةالمنورة عرفت المنتديات الأدبية منذ القرن الرابع عشر الهجري. ثم ألقى الشاعر بشير سالم الصاعدي قصيدة بعنوان: «العقيق». بعد ذلك كرم الأمير عبدالعزيز بن ماجد عدداً من الشخصيات المدينية الثقافية، التي أثرت المشهد الثقافي في المدينةالمنورة وخارجها، وهم المربي الجليل الراحل حبيب محمود والدكتور عاصم حمدان وأحمد سعيد بن سلم، والدكتور نايف الدعيس.