تأمل الأوساط السياسية والرسمية في لبنان بأن تبدأ الحملة السياسية العنيفة على القضاء اللبناني من بعض قوى المعارضة، في إطار التداعيات السياسية لإخلاء الضباط اللبنانيين الأربعة الذين أوقفوا 3 سنوات و8 أشهر رهن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في الانحسار خلال اليومين المقبلين، خصوصاً ان مجلس القضاء الأعلى سيجتمع اليوم لإعلان موقفه من دعوات بعض رموز المعارضة الى استقالة مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا، والمحقق العدلي السابق في الجريمة القاضي صقر صقر الذي يشغل منصب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. وفيما استمر التداخل بين تداعيات إخلاء الضباط الأربعة وتصريحاتهم، وبين الحملات الانتخابية المتصاعدة قبل نيف و4 أسابيع على الانتخابات النيابية في 7 حزيران (يونيو) المقبل، تراوحت ردود قادة الأكثرية على الهجوم على القضاء بين اتهام المعارضة بالسعي الى انقلاب سياسي لمناسبة خروج الضباط الأربعة الذين تعتبرهم قوى 14 آذار رموزاً للنظام الأمني اللبناني - السوري السابق، وبين اعتبار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان كلام الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن رفضه «ان يطالبنا احد بالموافقة المسبقة على قرارات المحكمة اللاحقة»، هو كلام خطير وغير مقبول قد يفجّر لبنان كله لاحقاً. وقال جعجع: «كأن هناك من سيستدعى (الى المحكمة) لا يريد السيد نصر الله ان يستدعى وهو يستبق الأمر من الآن». (راجع ص 6 و7) ويعقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعاً استثنائياً اليوم برئاسة رئيسه غالب غانم للرد على الحملة التي استهدفت السلطة القضائية. ومن المتوقع ان يتغيب عن الاجتماع المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا الذي غادر امس الى براغ ترافقه عقيلته. الى ذلك، أحال وزير العدل ابراهيم نجار على رئاسة مجلس الوزراء امس مشروع قانون بتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك بناء على المداولات التي أُجريت في مجلس الوزراء الخميس الماضي والتي أُثيرت فيها مسألة تعديل المادة 108 المذكورة. وينص مشروع القانون على وضع سقف زمني محدد للتوقيف الاحتياطي في لبنان. وينص المشروع على الآتي: «مادة وحيدة: تلغى الفقرة الثانية من المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتستبدل بالنص الآتي: «ما خلا حالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز ان تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل». وتواصلت المواقف المتناقضة بين الأكثرية والمعارضة حيال القضاء اللبناني، وانتقد رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط التعرض للقضاء وحذّر من عودة لغة التخوين مع اقتراب ذكرى أحداث 7 أيار (مايو) العام الماضي حين اجتاح «حزب الله» والمعارضة بيروت عسكرياً. ورأى رئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني ان الأكثرية والأقلية شريكتان في ظلم الضباط الأربعة ورفض ان يحمّل القضاء المسؤولية وطالب برفع اليد عنه. واتهم زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون أركان الأكثرية الحالية بأنهم «كانوا شركة واحدة في العهد السابق» (مع الضباط الأربعة)، وانتقد عون سفر القاضي ميرزا واعتبر ان «انعدام الأدلة والشبهات في قضية الضباط (ضدهم) يدل على تسييس للقضية ولا نقبل بلفلفة القضية في مجلس القضاء». ورأى ان التحقيق في اغتيال الحريري حتى الآن لم يكن على قدر المسؤولية وهدف التحقيقات إلقاء التهم جزافاً ضد سورية. واعتبر عون ان «اتهام رئيس أكبر تكتل سياسي سورية سياسياً (بجريمة اغتيال الحريري) لا يدل على استقرار فكري». وقال عون: «حين رأينا ان المحكمة الدولية تسيّس صار عندنا خشية». ودعا الى مسار آخر في التحقيق غير اتهام سورية. وكان جعجع خصص مؤتمره الصحافي للرد على ما أثير حول الضباط الأربعة والمحكمة من جانب المعارضة وخصوصاً السيد نصر الله. وذكّر جعجع بقول نصر الله في كلمته الأخيرة: «طالبوا بتحقيق دولي فتحفظنا في البداية، وعبّرنا عن خشيتنا من التسييس»، وسأل جعجع: «لماذا تحفظت في البداية؟ وهم منذ البداية لم يكونوا يريدون تحقيقاً دولياً أو غيره، كانوا يتمنون تحقيقاً لبنانياً ليؤثروا عليه (...) ثم من قال ان هناك تسييساً»، وأكد جعجع ان المحاكم الدولية ليست مسيسة ولا تحكم في اتجاه خاطئ، داعياً الى ان «لا نفترض فوراً ان كل ما اسمه دولي ضدنا». وقال: «كل هذا من اجل شل المحكمة الدولية واللعب على صدقيتها وتشويه صورتها وتدميرها تجنباً لأحكامها. وكأن السيد حسن واثق إلى أين يمكن ان يصل تحقيق المحكمة، لذلك هو يجرب ان يستبق الى ان تصدر نتائج المحكمة الدولية، فيقول نحن لن نتجاوب معها لأنها مسيسة». وفي ظل استمرار تصاعد السجال حول قضية الضباط والمحكمة ينتظر ان تتواصل خلال هذا الأسبوع عملية إعلان اللوائح المتبقية، إذ ستعلن لائحة بيروت الثالثة التي يتزعمها رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري عصر يوم الخميس المقبل الذي يصادف في 7 أيار، فيما ينتظر ان يعلن رئيس البرلمان نبيه بري الأحد المقبل من دارته في المصيلح في الجنوب اسماء مرشحي حركة «امل» وحلفائها.