قصتا عائشة وأم فهد هما قصتان لمطلقتين ليستا من نسج الخيال، وإنما من صميم الواقع، حين تسمع منهما ومن في حكمهما، تدرك أن واقع المطلقات واقع مؤلم يتطلب وقفة جادة من الجهات المختصة لوضع حدٍ له أو القضاء عليه، سواء نظامياً وإدارياً في ما يخص قضاياهن في المحاكم، أو اجتماعياً في ما يخص وضعهن الاجتماعي، وربما من هنا انطلقت مبادرة الطلاق السعودي التي تبنت فكرتها هيفاء خالد قبل أكثر من عامين، والتي خرجت برامجها بالكثير من التوصيات التي رفعت لمجلس الشورى، وهناك أيضاً مساهمات جمعية مودة، التي تم تأسيسها بجهود رائعة من ثريا الشيخ التي تعنى بشؤون المطلقات أيضاً. وحول هذه الجهود وإذا ما كانت كافية، تقول عضو المجلس التنفيذي في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد في حديثها ل«الحياة»: «جمعية مودة وبرنامج الآمان الأسري والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تسعى جميعاً لهدف واحد هو حقوق الإنسان، ولا يمكنني إلا الإشادة بجهود ثريا الشيخ في تأسيس جمعية مودة، ابتداءً من اختيار الاسم، وانتهاء بالمقر وبدء العمل الجاد لما أسست من أجله، متمنية في الوقت نفسه أن تمتد جهود هذه الجمعية إلى خارج الرياض، وتشمل بقية مناطق المملكة»، وتشير زين العابدين إلى أنه من المفترض أن تكون هذه الجمعية فرعاً لجمعيات متفرعة تتعاون مع بعضها البعض، «فكل قضية من قضايا الطلاق وغيره تحتاج إلى جمعية للنظر في شؤونها، مثل جمعية لأمور النفقة، وجمعية لأمور الحضانة، وجمعية لقضايا العضل، وكذلك لقضايا النساء اللواتي تقدمت بهن السن، من دون أن يتزوجن ولم يصبح لهن عائل أو مسكن يؤويهن، كذلك نحتاج جمعية تعنى بالأرامل، وسواها من الجمعيات». وتؤكد: «المطلقة تتعرض للظلم كثيراً، وهمّ قضايا الطلاق غير همّ قضايا النفقة، والمفترض أن تحصل المطلقة على حضانة مع نفقة، كما أن مبلغ 500 ريال غير كافٍ، ويجب أن يطلع القاضي على دخل الزوج، وعليه يحكم بمقدار النفقة، لأن الأب أساساً مسؤول عن النفقة، ونتمنى أن تسعى جمعية مودة لحلها، وأن تقدر النفقة، ويحسم من الراتب آلياً حتى لرجال الأعمال». لوهلة قد يبدو كلام زين العابدين «تنظيراً» ويخفف الكثير من وطأته، لكن إذا عدنا إلى عائشة على سبيل المثال التي تزوجت، وأنجبت طفلين (ولد وبنت)، تقول إن زوجها رمى عليها يمين الطلاق الثانية، بعد أن تعرضت منه لعنف شديد، وكان هذا العنف والضرب سبب طلاقها للمرة الأولى، لكنها اضطرت للعودة إليه، حرصاً على مستقبل طفليها، في حين أنها الآن لا ترغب مطلقاً في العودة، بل ورفعت الأمر للمحكمة، وبدأت تحضر جلسات للقاضي، للمطالبة بوثيقة الطلاق الرسمية، وحسم أمر النفقة بعد ذلك، إلا أنه على رغم حرصها على الحضور لم يتم حضوره حتى الآن. وحين تسألها ببراءة لماذا لا تطلبين استدعاءه بأمر رسمي، تجيب: «كنت أعتقد ذلك في البداية، لكنني وجدت في المحكمة في إحدى المرات التي كنت أحضر جلساتي فيها إحدى السيدات التي تشبه حالها حالي، قالت: «طولي بالك أنا لي الآن خمس سنوات معلقة»! تقول عائشة: «لم يعد يهمني شيء سوى أن أحصل على ورقة طلاقي الرسمية، وبعدها أستطيع أن أطالب بالنفقة لطفليّ، وأيضاً أحاول بعد ذلك إما أن أجد عملاً يناسب تخصصي الجامعي، أو يحق لي التقديم في الضمان الاجتماعي». ربما لن تكون هناك حاجة لسرد قصة أم فهد لتوضيح معاناة المطلقات، فهذه قام زوجها بضربها وهددها بالقتل، ما اضطرها لترك المنزل بما فيه حماية لنفسها، ثم حصلت على حكم الخلع بعد أن جمعت المبلغ الذي اشترطه زوجها لكي يطلقها، ولم يمكنها أحد من رؤية أبنائها طوال تلك الفترة حتى تم الخلع بعد تسلمه المبلغ كاملاً تقول: «حتى مؤسسة إصلاح ذات البين رفضت طلبها لمساعدتها كي ترى أبناءها قبل تسديد المبلغ الذي اشترطه كاملاً، لأنها سدّدت جزءاً منه قبل جمع البقية».