كشف رئيس النادي الأدبي في مدينة الجوف إبراهيم الحميد خفايا رسائل التهديد بالقتل، التي تلقاها على هاتفه المحمول وإحراق مقر النادي. وأكد في حواره مع «الحياة» «أننا لا يمكن أن نتجاهل دور المدافعين عن المجرم وإدانته على فعلته، لأن ذلك يعد تحدياً للقانون والنظام». ويسعى الحميد، من خلال النادي، إلى إيصال رسالة ثقافية سامية في منطقة تعد النافذة الشمالية للسعودية على الدول العربية المجاورة، عبر إقامة فعاليات متنوعة يرى أنها» أسهمت كثيراً في رفع مستوى التلقي والنضج لدى سكان الجوف وما جاورها» لكنه لم يخف قلقه تجاه مستقبل النادي وتحامل البعض عليه، لأسباب لا تزال غير واضحة. فإلى تفاصيل الحوار: هل يمكن لك إيضاح ملابسات رسالة التهديد بالقتل، التي تلقيتها للمرة الثانية على هاتفك المحمول أخيراً؟ - الذي حدث لم أكن أتوقعه فعلاً ولم أجد له مبرراً ففي احد أيام الأسبوع وهو يوم الأحد وفي تمام الساعة 11.41 صباحاً وصلتني رسالة على هاتفي تقول: «هل تعلم بأن قتلك حلال بإذن الله خلال ساعات قليلة وراح تقتل كما قتل جارك حمود وربعه». في البداية توقعت أن تكون مزحة ولا أعلم تحليلها، ولكني وقفت حائراً عندها، لكني عندما راجعت ذاتي لم أجد أي مبرر لهذه الرسالة في أي حال من الأحوال، ولم أكن ارغب في إظهارها إعلامياً، واستشرت بعض الإخوان في الأجهزة الأمنية فأصروا عليّ أن أتقدم ببلاغ رسمي في مركز الشرطة، والتقصي عن الرقم الذي أرسلت منه وفحوى الرسالة، فتوجهت لمركز الشرطة بعد حوالى ساعة ونصف الساعة من وصول الرسالة ولم اذهب مباشرة بعد تلقي الرسالة، وقدمت بلاغاً رسمياً، وخلال هذا الوقت الطويل طبعاً لم يتم إخبار أي وسيلة إعلامية بالرسالة ولم أكن ارغب في تصعيد الموضوع، رغبة في عدم الإثارة إلا انه وبعد تقديم البلاغ في مركز الشرطة أتتني الاتصالات بحادثة الحريق في الساعة 1.45 ظهراً، وقد مضى حوالى ساعتان بين الرسالة والحريق، ثم جاءت الاتصالات من كل مكان تستفسر عن الحادثة فكان لا بد من إيضاح الموضوع كاملاً، لأن الحريق كان مرتبطاً بالتأكيد بالرسالة وكانت مؤسفة حقاً وتربط التهديد بالقتل في حقبة مؤسفة سابقة، شهدتها المنطقة لشهداء الوطن حين قتل وكيل الإمارة ومدير شرطة العزيزية والقاضي؛ فكان الربط في الرسالة بين هذا الحدث والقيام بالفعل الآن، هو ربط مؤسف وأعتقد أن الجهات الأمنية تقف كثيراً عند هذا الربط. وهل هذا له علاقة بقصة التهديد الأولى؟ وما الذي جرى حقيقة في الأمسية الشعرية التي كان مقرراً إحياؤها من الشعراء محمد خضر وعبدالعزيز الشريف وحليمة مظفر؟ - في الحقيقة كانت رسالة التهديد الأولى قبل الأمسية الشعرية بساعة أو ساعتين التي استضفنا فيها الشعراء محمد خضر وحليمة مظفر وعبدالعزيز الشريف، وكان الهدف منها منع إقامة الأمسية، لأن الرسالة كانت تقول: «إن لم تمنع هذه الأمسية أهدرنا دمك»؛ وكان مقرراً أن تقام الأمسية في شهر محرم على ما أذكر، وكان المفروض وصول الضيوف في يوم الأمسية، وأحدهم وصل قبل ذلك وفي ليلة الأمسية حدث الحريق في خيمة النادي، ولم تقم الأمسية وتم تأجيلها وبعد شهر تقريباً حدد موعد جديد للأمسية؛ فكانت الرسالة الأولى تحاول منع إقامتها وكانت هناك إرهاصات واتصالات قبلها بيوم من بعض الأشخاص، يتساءلون عن وجود اختلاط وقد وصلتهم إشاعة بأن هناك اختلاط في الأمسية، وهذا كان كلاماً غير صحيح ومتجنّى علينا. وكان من ضمن المتصلين رئيس هيئة الأمر بالمعروف في المنطقة، الذي أوضحت له انه لا يوجد أي اختلاط وتفهم الموضوع وقال: «موفقين» وكل الجهات الحكومية تعلم انه لا يوجد أي اختلاط في النادي، لأن هناك صالة منفصلة للسيدات وصالة أخرى للرجال، وهي التي شهدت أمسيات سابقة كمحاضرة الدكتورة خديجة الصبان وأمسية قصصية شاركت فيها فوزية العيوني وأخرى شاركت فيها قاصتان حنان الرويلي وتركية العمري. لكن هناك من أراد الإساءة للنادي والمنطقة وأطلقوا إشاعات بأن النادي يقوم بنشاطات فيها اختلاط، وهو غير صحيح، هذا الفهم أدى إلى أن يأتي شخص متحمس وخاطئ، وأحرق خيمة النادي. وبعد ذلك حاولت بعض العناصر منع الأمسية، ولكن أحبط المخطط لها وأقيمت في الموعد الجديد بكل نجاح، والجهات الأمنية كانت حاضرة وتعاملت مع الموقف بحزم وأعلن الناطق الأمني أن هناك سيطرة على الموضوع، لكن الرسالة الثانية لم يكن لها أي مبرر. وهل فعلاً مشاركة المرأة في فعاليات النادي هي السبب في هذا كما قيل؟ - موضوع مشاركة المرأة ليس سبباً على الإطلاق. المرأة حاضرة في نشاطاتنا الثقافية وفي كل مكان في الجوف، في الحوار الوطني وفي المؤتمرات الطبية والعلمية وغيرها، وصوتها مسموع وتتحدث بكل حرية، كما أن الأساتذة في الجامعة يعلّمون بناتنا وطالباتنا عبر الدوائر التلفزيونية، وهناك حوار مباشر بين الطالبة والأستاذ وهي محل ثقة واعتزاز، ولم تكن الإشكالية على الإطلاق هي وجود المرأة، وقد أقام النادي العديد من النشاطات شاركت فيها المرأة، قبل حادثة الحريق الأول وقبل رسالة التهديد الأولى، وقد ذكرت ذلك في سؤالك السابق. فالمرأة لم تكن سبباً على الإطلاق في أحداث النادي فهي تشارك ضمن ثوابتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهي موجودة في النادي ضمن هذه الثوابت. وما الأسباب في رأيك؟ - هناك بعض الأصوات النشاز التي بدأت في إطلاق التهم على النادي، من غير أن تعلم حقيقة برامجنا وفعالياتنا وإصدار الأحكام المسبقة لغايات لا نعلمها وهي غير منصفة وغير عادلة، والجميع يعلم أن منبر النادي مفتوح. وعلى رغم من ذلك نجدهم يتحدثون خلف الأقنعة في الانترنت وفي المواقع الأخرى، في تجني على النادي. وهناك من اعتبر بكل أسف أن الحديث عن جريمة الإحراق ليس جريمة، وكأنه يبرِّئ المجرم. ويكتب احد الأشخاص وهو بكل أسف مسؤول وعضو مجلس بلدي ومدير مدرسة ثانوية ويربي الأجيال، في احد المواقع الالكترونية، «إن الحريق ليس جريمة وإنما الجريمة هي التصريحات التي أطلقها رئيس النادي»، بهذا النص وباسمه الصريح. والحقيقة لم تكن لي تصريحات أبداً إلا في ما يتعلق بإدانة الجريمة والمجرم، وهذا طبيعي أن يدان المجرم وتدان الجريمة. أما أن يأتي شخص ويتبرع بالدفاع عن المجرم، فهذا كان موضع تساؤل كبير. لكن هذا يشكل خطراً على أمن الوطن واستقراره؟ - صدّقني نحن نضع الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام على استماتة بعض الأشخاص، الذين يدافعون عن جريمة الحريق وعن المجرم ومرسل رسالة التهديد، وأنا أتساءل: لماذا يدافعون عن الإجرام ؟ هذا تعكير للسلم الاجتماعي وتهديد لأمن البلد وتحدٍ للنظام العام؛ فاليوم تهديد لشخص ابراهيم الحميد، الذي يشغل رئيس نادي الجوف الأدبي وربما يأتي تهديد جديد لشخص آخر. وما زلنا نستغرب استماتة البعض بالدفاع عن المجرم والجريمة، وأعتقد بأن التوقيت كان يجب فيه حشد كل الطاقات لإدانة الجريمة لتوجيه رسالة إلى من أحرق النادي ومرسل رسالة التهديد، أن المجتمع في الجوف مجتمع واعٍ ينبذ مثل هذه التصرفات ويدينها ويستنكرها ويطالب بتنفيذ أقصى العقوبات بحق هذا المجرم، أما أن يتم تبني طروحات مرسل رسالة التهديد ومحرق النادي، هذا بعبارة أخرى انضمام إلى معسكر الفاعل. هناك في مجتمعنا من يدافع عن هذه الجرائم، ومن يحاول التغطية عليها، إن اعتقادي الشخصي يؤكد أنها تصرفات فردية، لكن حين يعرف المجرمون أن هناك من يؤيدهم في أطروحاتهم وفي وسائلهم الإجرامية سيتمادون، وهذا مؤشر خطير في مجتمعنا ونأمل أن نتجاوزه سريعاً. لكن التاريخ يشهد لمنطقة الجوف ومثقفيها بإنتاج ثقافي وفكري، وحتى على مستوى الحقب التاريخية المتوالية؟ - هذا صحيح، فالجوف منطقة ثقافتها متجذرة وفيها وعي غير عادي، ومجتمعها مثقف يعي مسألة العمق الثقافي للمنطقة وتفخر المنطقة بتاريخها القديم، والذي تخلده الجداريات الأشورية من أكثر من 3000 سنة، واحتضان مملكة دومة الجندل وهي من الممالك العربية القديمة أو ما كان يطلق عليها «ادوماتوا». وقد رأى الدكتور عبدالرحمن الأنصاري في إحدى محاضرته في النادي أن ملكة سبأ كانت في هذه المنطقة، وكان من المعروف أن مملكة «ادوماتوا» تحكمها نساء، فالبعد الثقافي الموجود في الجوف يعطي كثيراً من التسامح؛ فالوعي في المجتمع كان مبكراً وكانت هناك نهضة ثقافية لافتة في الستينات الميلادية وما بعدها، وولد كثير من الشعراء والمبدعين ولوّنوا مشهد المنطقة كثيراً، واليوم نجد في قيادات الوطن الإدارية والتشريعية كثيراً من أبناء الجوف. وعلى صعيد المؤسسات الثقافية في الجوف وقبل أكثر من 30 سنة، كانت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الكبرى وهي تعادل مؤسسة الملك فيصل العالمية، وتقيم برامج ثقافية كبيرة وواعية وأقامت كثيراً من الندوات والفعاليات على مستوى الوطن في وقت مبكر، ولو لم يكن هناك وعي مبكر لما استُوعِبت هذه النشاطات الثقافية، كما أقيمت أيضاً ندوة الحداثة الكبرى التي عقدت في الجوف في عام 1986، وحضرها كبار رموز الأدب والثقافة في بلادنا كالغذامي وعبدالفتاح أبو مدين وغيرهما. فالوعي الموجود في الجوف جميل ومتفهم لرسالة النادي، وقد واصلنا نحن في إقامة الفعاليات الثقافية في النادي، وكانت موضع ترحيب وسعادة من الوسط الثقافي بشكل عام. وهل وصلتم إلى نتائج في التحقيق؟ - الموضوع الآن لا يزال في أيدي الأجهزة الأمنية ولا أملك أي معلومات عنه، وهي تمارس دورها بكل كفاءة وفعالية والقضية تحظى بمتابعة من أمير المنطقة والمسؤولين كافة يبذلون كل الجهد لفك طلاسم هذه الجريمة الثانية، والبحث عن مرسلي هذه الرسائل. وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى كبح جماح الإجرام في المنطقة بشكل أو بآخر. لأن الجريمة التي تعرض لها النادي، لم تكن جريمة صغيرة والجريمة كانت بحق مؤسسة حكومية ومؤسسة ثقافية تقوم بدورها وهي للمرة الثانية، والعمل بالتأكيد هو عمل فردي ولا يمكن التعميم فيه وربما في قادم الأيام تتضح خلفياته؛ لأن هناك من يحاول إيصال رسالة خاطئة للمجتمع والإيقاع بالنادي وتشويه سمعته. إن رسالة النادي رسالة متوازنة وتقبل كل الأطياف ولا أجد أي مبرر، والإجرام لا يبرر حقيقة ولا نستطيع أن نقول إن هذه الجريمة يوجد لها مبرر وإذا كانت المسألة التحفظ على بعض المناشط الثقافية التي يقيمها النادي، فلا بد من انك تعرف بأن فعالياتنا نقيمها علناً وكان لدينا قبل الحادثة الأخيرة نشاطات متنوعة ومحاضرات عن الإعجاز العلمي في القرآن وندوة في التاريخ وأخرى عن الآثار في منطقة الجوف. أما إذا كانت المسألة تخص إبراهيم الحميد شخصياً،، فأنا أعرف نفسي جيداً وأعرف ما أقوم به لخدمة المنطقة والوطن ونشاطاتنا علنية وليس فيها أي مساس بثوابتنا الدينية أو الوطنية، والنادي يتواصل مع الصحف وكل مطبوعاتنا الجديدة نحاول الإعلان عنها بأي طريقة كانت وعبر وسائل الإعلام المختلفة. اجتمع رؤساء الأندية الأدبية مع وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة، على هامش ملتقى «قراءة النص»، الذي أقامه نادي جدة الأدبي أخيراً... هل كانت قضية نادي الجوف مطروحة؟ - في اجتماعنا الأخير مع وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة تم طرح بعض الرؤى حول الأندية بشكل عام ونادي الجوف بشكل خاص. وكان الوزير مهتماً بما حدث في النادي ووعد بدعمنا والوقوف إلى جانبنا، حتى يستطيع النادي أن يقوم بدوره كاملاً لخدمة أهالي ومثقفي منطقة الجوف، كما أننا نثمن وقوف أمير المنطقة فهد بن بدر بن عبدالعزيز إلى جانبنا وإصراره على مواصلة النادي لبرامجه ونشاطاته في كل مدن ومحافظات المنطقة. والنادي يشعر بالفخر والزهو لدعمه كما نسعد بدعم جميع المسؤولين في المنطقة، وكل المواقف المشرفة لأهالي منطقة الجوف ودعمهم لنا. ونحن نميز بين الآراء التي وجهت بعض النقد للنادي. وهل كان النقد الموجه للنادي موضوعياً؟ - هناك نقد موضوعي ونحن نرحب به ونتبنى جميع الآراء، لأن النادي منبر للحوار البناء ولم يحدث أن النادي كان في يوم من الأيام منبراً لطرف من دون الآخر، ولم يقفل أبوابه في وجه أي شخص أراد أن يتحدث وطلبنا من جمهور المنطقة المثقف الواعي أن يزودنا باقتراحاته لأي برنامج ثقافي يراه يخدم الوطن، كما أسسنا موقعاً للنادي على الانترنت، وهو تفاعلي يتواصل معه الجميع، كما أننا نقوم بإرسال رسائل إلى أي شخص مهتم بالأدب والثقافة. كيف ترى دور ملتقيات الأندية الأدبية، التي تقيمها بين الحين والأخر في مختلف مناطق المملكة؟ - أثبتت الملتقيات الأدبية الوجه الثقافي للمملكة وعمقت الحضور الثقافي، وأيضاً الصوالين الثقافية التي يقيمها رجال مهتمون بالأدب لعبت دوراً مسانداً وكبيراً وأيضاً لقاء الأدباء والمثقفين بعضهم لبعض ومن خارج الوطن أيضاً، وإيجاد نوع من الحوار البنّاء والمثمر في مختلف الفنون الأدبية. واستدعاء للباحثين من مختلف جامعات المملكة والنهوض بالعلم والمعرفة، ولا ننسى الدور الكبير لمهرجان الجنادرية وتفعيله لكل الفنون وإظهارها بشكل لافت، وهذا يواكب أيضاً رؤية الملك عبدالله حفظه الله في النهوض بالمستوى التعليمي والثقافي في هذا البلد وإنشاء جامعات في مختلف أنحاء المملكة، التي أثْرت حضورها في مختلف الملتقيات الثقافية.