في الوقت الذي أحيي فيه الشيخ الدكتور أحمد الغامدي على شجاعته، وتصديه لتصحيح مفاهيم شائعة تسهم في إطلاق وتوسيع طرق عيش المسلمين، والتخفيف من شدتها وغلوائها، فإنني أحب التذكير بأن ما يقوله اليوم الشيخ أحمد الغامدي ليس بدعة يبتدعها، وليست بخواطر جاءت على باله في ساعة سليمانية قبل الغروب، بل هي أقوال يقول بها شيوخ وعلماء دين في الخليج والمغرب والشام ومصر وبعض شيوخ السعودية، لكن بعض شيوخنا أصروا إلا أن «يخنقوا» النساء في البيوت بحجة تحريم الاختلاط، وحشر الناس في الأسواق وعلى أرصفة الدكاكين بين صلاتين محتجزين، لا هم الذين أنهوا ما جاءوا من أجله، ولا هم عادوا إلى بيوتهم، وبعضهم يؤجل الخروج للأسواق حتى بعد صلاة العشاء، فلا يعود لمنزله قبل الحادية عشرة، فهل هذا معقول وصواب؟ ولأن الصلاة ستقطعنا، تجد الباعة يتراكضون في مشهد «مخبول»، وهم يسحبون من يدك السلعة مرعوبين صائحين: «بالله صلاة صلاة»، والصلاة باقي عليها ربع ساعة، لأنهم يخافون من «جمس الهيئة». بثوا الرعب في قلوب الناس، فصار شعار الناس: «انحش جتك الهيئة»، وعليك ألا تفكر هل فعلت شيئاً خاطئاً، أم لم تفعل؟ لأنهم من يقررون فلماذا تغامر؟ الدكتور أحمد الغامدي فاجأ الناس بجسارته في الحق، لأن حساسية ما يطرحه تأتي من كونه المدير العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة، وهو جهاز عرف عن بعض أعضائه أنهم يفهمون عملهم بتتبع زلات الناس التي لم يجاهروا بها، ولوم الناس على ما هو موضع اختلاف في الدين، ولا يقع في التحريم والخطأ، ولأن في جهازه من يحتكرون مفهوم الأمر بالمعروف لأنفسهم، ولا يعترفون أبداً بأن لهم شركاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن الكتّاب مثلاً لا نقوم مثلهم بالكشف عن الحق والإرشاد إلى مواضع الخلل في عمل المؤسسات وفي التفكير الجمعي، ثم نلفت نظر المسؤولين للظلم ونطالبهم برفعه، بل هم يرون فينا الشر كله، بل إننا نزلزل ثوابت الدين، ونشجع على هدمه، وتأكيداً على قولي هذا، فإن طرحاً مثل طرح أحمد الغامدي سيجعل منه عدواً كبيراً لهم، وسيحاولون محاصرته وسيرفعون بشأنه البيانات والمعارضات والشكاوى، وسيضعون هاتفه كما فعلوا أول مرة حين قال بعدم حرمة الاختلاط في - السبيل - ويدعون الناس لا لفهمه ومناقشته، بل لمناصحته وردعه، وسيؤلبون عليه المسؤولين الكبار وسيضايقون أبناءه في المدارس وزوجته في المجالس كعادتهم حين يظهر لهم مخالف، ولو كانت حجته القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم. [email protected]