يقال اثنان وفلان ثالثهم، وقيل أيضاً «ثالثة الأثافي». ونقل عن سيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أن «آيات المنافق ثلاث...». وقيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «الرجال ثلاثة، ذو عقل، ورجل إذا حزبه أمر أتى رجلاً من أصحاب الرأي فاستشاره وأخذ برأيه، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً لكنه يتبع هواه». ويقال أيضاً «رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يشب، والمعتوه حتى يعقل». ترى ما سر الرقم ثلاثة؟! بحثت في الإنترنت، فوجدت أنه رقم له صولات وجولات، بل إنه يُعد من فرسان الأرقام، على رغم أنه لا يحتل موقعاً بارزاً، وأيضاً اكتشفت أن كثيرين سبقوني للغوص في أسرار هذا الرقم، بل إن هناك مؤلفاً يحمل عنوان «خصام الأرقام ومفاخرها»، يتحدث فيه عن أكثر من 60 موضعاً للرقم ثلاثة، وعند التوصّل إلى هذه النتيجة عن استخدامات هذا الرقم، أدركت أن الله قد أنار طريقي للوقوف على حقيقة هذا الرقم، وما يعنيه في عصرنا هذا. فأنا في الحقيقة لم أكن أعلم، أو في وصف أدق لم يخطر لي أن أفكر في سر هذا الرقم أو استخداماته، إلا بعد أن فكّرت ملياً بثلاثة مشايخ أتحفونا خلال الفترة الماضية بتقليعات تضمنت آراء و«طلعات» لم نشهدها منذ عصر الجاهلية، وهنا أتحدث تحديداً عن الثلاثي: الداعية الدكتور محمد النجيمي، والداعية الدكتور أيضاً محمد العريفي، والداعية الدكتور أيضاً مرة ثالثة يوسف الأحمد. فالشيخ الأحمد طالب بإزالة الحرم المكي لبناء أدوار مخصصة للنساء لضمان عدم الاختلاط، الشيخ النجيمي من أشد أعداء الاختلاط، إلا العارض «لتبرئة ذمتي»، وله العديد من الآراء المتشددة في هذا الشأن. الشيخ العريفي لا يملك الكثير من الوقت لذلك، بل هو مشغول في الترويج لبرنامجه تارة، ولنفسه تارة أخرى، فمن تصوير برنامجه في القدس، إلى التأكيد على أن «فهمنا على قدنا». ولم نفهم رسالته. وأخشى أن يدفعه حب الظهور الإعلامي إلى الترويج عن تصوير برنامج في الفاتيكان، وماذا في ذلك؟! ترى ما الذي عكسه هؤلاء المشايخ في ما أعلنوا عنه؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نعيد النظر في الصورة المأخوذة عن المملكة ومشايخها، فالنظرة عادة إلى المشايخ يشوبها الكثير من التشويه، فهم في نظر الآخرين «متعجرفون، متشددون، يتعاملون بفوقية». من جهتي لا أتفق مع هذه النظرة، وكثيراً ما وجدت نفسي مدافعاً عنهم، فهم يشكّلون لنا الأب والأخ والصديق. لكن ليسوا جميعهم، فهناك مجموعة منهم رسّخوا هذه الفكرة لدى الآخرين خارج الحدود، من خلال آراء وأفكار متطرفة أحياناً، ومتناقضة أحياناً أخرى. وليس صحيحاً أن نقول آراء الخارج لا تهمنا. فقد دفعنا الكثير لعكس الصورة الحقيقية للمملكة، ومازلنا ندفع لتحسين صورة الإسلام التي شوّهها التطرف، وبعض الآراء المُضحكة تارة، والمُبكية تارة أخرى. أمام ذلك لا بد من جردة حساب للتعامل مع واقعنا الجديد، فالتيار الإسلامي في شكل عام كان ولا يزال يتهم كُتاب الصحف والمثقفين، بأنهم «تغريبيون» ويسعون إلى نشر العلمانية والليبرالية، ومصطلحات واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان. بيد أنه بات واضحاً أن من يسيء للمشايخ وللإسلام هم من التيار الديني نفسه، بما يعلنونه من تطرف واستهزاء بالآخرين، أولئك هم من يسيء لعلمائنا، وهم من يجب التصدي لهم. طبعاً هذا لا يعني أن جميع الكُتاب ملائكيون في أطروحاتهم. لكن في الصورة الحالية بعض العلماء والدعاة يفتحون الباب على مصراعيه لإسقاط هيبة المشايخ، أمام فئات وتيارات فكرية كانت إلى وقت قريب تعاني من الإقصاء. اليوم، نجد أن الدولة بمؤسساتها الرسمية العليا كافة، مدعوة للوقوف بحزم أمام تلك الفئة التي تسيء إلى ديننا وبلادنا وعلمائنا، من خلال أطروحات متطرفة، أو إقصائية، أو طائشة، أضحكت العالم علينا. والأهم من ذلك؛ ضرورة التحرّك لضمان عدم شق الصف بين المواطنين، وبين الإسلاميين أنفسهم. [email protected]