القبض على وافد سكب الأسيد على أسرة كفيله»... «مواطنة تعرضت لحروق من الدرجة الثالثة إثر مشادة كلامية مع رفيقتها»... «انتقمت من ابنة زوجها بنثر قطرات من حمض الكبريت على جسدها»... ما سبق عناوين أخبار ومانشيتات تتكرر في الصحف المحلية بين فينة وأخرى، لتحمل بين سطورها جرائم بشعة ارتكبها أشخاص نُزعت الرحمةُ من قلوبهم، لتؤول القضايا إلى المحاكم، وتظل أجساد الضحايا مشوهة مدى الحياة. ومهما تباينت مسميات أداة الجريمة من حمض الكبريت أو ماء النار أو الأسيد أو زيت الزاج، إلا أن النتيجة الذي تخلفها مادة H2SO4 جراء ملامستها للجلد واحدة تتمثل ب«التشوه الخلقي». وعلى رغم اقتصار استخداماتها في صناعات متعددة كالأسمدة والمنظفات وفتح انسدادات المجاري، إلا أن انتشار الخلافات وتعدد الاعتداءات بين الناس جعلها أداة يستخدمها بعضهم بدافع الانتقام. فتحت «الحياة» قضية استخدام الأسيد في عمليات الانتقام من الأشخاص، بحديثها مع ضحايا لهذه المادة، وأخذت آراء جزء من الشارع السعودي في ما يخص الأسيد، ودعا كثيرون الجهات المسؤولة بتقنين بيع هذه المادة الحارقة، في حين طالب آخرون بحظر بيعها تماماً، واستخدام بدائل أخرى منعاً لاستغلالها من أصحاب النفوس الضعيفة. في هذا الصدد، أوضحت أم بدر أنها وجدت حمض الكبريت في حقيبة خادمتها أثناء تفتيشها لحجرتها، وتأكدت من حقيقته بعد عرضه على متخصص، تقول: «أثار الأمر هلعي، ودفعني إلى ترحيلها والاستغناء عنها في وقت قياسي»، مضيفة: «على رغم معاناة العاملة المنزلية من شقاوة أبنائي واستفزاز بعضهم لها، وكثرة أعباء المنزل عليها، إلا أن ذلك لا يعطيها الحق بالتفكير بالانتقام بهذه الطريقة البشعة». أما والدة لمى (6 أعوام) فذرفت دموعها ورفعت يديها داعية محتسبة، عندما وجدت آثار حروق عميقة في أجزاء جسد ابنتها النحيل تسببت بها زوجة والدها الثانية، تروي قصة ابنتها المسكينة: «بعد طلاقي من زوجي أصرّ على أخذ ابنتي لإغاظتي، وعلى رغم عدم مبالاته بها إلا أن عناده جعل ابنتي تقع ضحية لزوجة لا تعرف معنى الرحمة». وتضيف: «بعدما اضطررت إلى توسيط أقاربه ليسمح لطفلتي بزيارتي، وبعد احتضاني لها عمدت إلى تغيير ملابسها المتسخة واستبدالها بأخرى، لأكتشف مجموعة من الجروح الغائرة والحروق المتفرقة في جسدها الهزيل، وبعد سؤالي لها وكشف الطبيب عليها، اتضح أن سببها قطرات من مادة حارقة، وملاعق حامية سخنت على النار كانت تكوى بها، خلفت تشوهات في جسدها ووجهها». في حين طالب محمد الزهراني (35 عاماً) الجهات المسؤولة بتقنين بيع مادة الأسيد وعدم جعله بمتناول الجميع واقتصار استخدامه على المؤسسات والمصانع التي تستغل تركيبه الكيماوي في صناعات شتى، مؤكداً وجوب وضع قوانين تشترط لمن يريد شراءها حصوله على بطاقات مرخصة من الجهة المختصة». ويؤيد محمد المسلم فكرة إيجاد بدائل كيماوية أخرى تفي بالمطلوب، يقول: «تمتلئ منازلنا بالكثير من المواد الكيماوية المطهرة والمنظفة، التي كثيراً ما تتسبب في اختناق ووفاة أصحاب المنزل، ما يدفعني وسواي إلى المطالبة بتخفيف نِسَبها من مصنعيها وتوعية الناس بمخاطرها». من جهته، أكد الدكتور الصيدلي هشام محمد أن خطورة المادة الكيماوية تعتمد على درجة تركيزها وانتشار أبخرتها، فكلما زادت درجة تركيزها ارتفعت نسبة الحروق، أما درجة الحروق التي تسببها المواد المنظفة بشكل عام ومادة الأسيد بشكل خاص تراوح ما بين الثانية والثالثة، مشيراً إلى أن التركيز المسموح به لهذه المادة هو مليغرام لكل متر مكعب. وعن طرق الإصابة بهذه المادة، ذكر أن ذلك يحصل بواسطة الاستنشاق أو الابتلاع أو عبر ملامسته للجلد، «في حال الاستنشاق والابتلاع يتسبب الحمض بتهيج في الأغشية المخاطية، وإصابات رئوية، والتهابات في القناة التنفسية والقصبة الهوائية، واضطرابات في القناة الهضمية، وفي حال ملامسته للجلد، فإنه يسبب تهيج وحروق جلدية إضافة إلى تقرحات وندبات. ولخص الصيدلي طريقة الإسعاف الأولي عند استنشاق هذه المادة بأن ينقل المصاب إلى الهواء النقي وتغسل مجاريه التنفسية بمحلول بيكربونات الصوديوم، وينقط له ثلاث قطرات من مادة «آي فيدرين»، ويشرب حليباً ساخناً مع ثاني كربونات الصوديوم، أما في حال الابتلاع فيطلى الغشاء المخاطي والفم بمحلول الديكانين، كما تنزع ملابس المصاب برفق وتقص قطع الملابس في حال ملامسته الجلد، وتغطى الحروق كي لا تتلوث بالجراثيم، مع الحرص على عدم فقء الفقاعات والاكتفاء بالمسح حولها بالغول الايثيلي. من جهة أخرى، أوضحت الاختصاصية الاجتماعية نورا الدليمي أن الأسباب التي تدفع الشخص إلى الانتقام بهذه الطريقة منها الإحباط، الحرمان، الصدمات النفسية، العصبية والانفعالات الشديدة، التوتر والقلق، إضافة إلى عملية التنشئة الخاطئة المتمثلة بالتدليل، الإهمال، القسوة، التفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث والخلافات الأسرية وغياب أحد الوالدين أو الطلاق، فضلاً عن ضعف الوازع الديني. وعن الآثار النفسية التي تلحق بالضحية، تقول نورا: «ينشأ لدى المعتدي تصرفات متطرفة كالعدوانية والفوضى والتخريب والانطواء والخجل الشديد وصعوبة تكوين علاقات وصداقات اجتماعية والإحساس بفقدان الكرامة وعدم الإحساس بقيمة الذات». وبشأن طريقة تجاوز هذه الآثار، تشير إلى أن عمليات التجميل تعتبر حلاً جيداً، كما أن الدور الأكبر يكون للوالدين لا بد من أن يعلّموا أولادهم كيف يتقبلون ذواتهم والآخرين من أجل إعادة إدماجهم في المجتمع. وفي ما يتعلق بالحلول الممكنة لحماية الأبناء من الانتقام بأشكاله، ذكرت أن هناك عوامل وقائية من السلوك العدواني تتجسد في التنشئة الاجتماعية وتربية الأبناء التربية الصحيحة، مثل عدم التساهل أو التسلط أو الإهمال، كما يجب تفريغ الشحنة العدوانية لدى الأبناء عن طريق الألعاب الرياضية المفيدة، مع تقديم وسائل إرشادية صحيحة عن طريق الإعلاميين والخطباء وغيرهم.