استعادت محافظة الأحساء، مساء أول من أمس، واحداً من أبرز معالمها التاريخية والأدبية والثقافية، بعد قرون من الغياب، حين أطلقت فعاليات «مهرجان سوق هجر السياحي»، في قصر إبراهيم الأثري، والذي يستمر لمدة 10 أيام.واختار منظمو حفلة الافتتاح، حكاية إسلام قبيلة بني عبد القيس، الذين كانوا يستوطنون هجر، (الاسم التاريخي لواحة الأحساء)، ليدشنوا به مهرجانهم، الذي يرعاه محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي، والذي أشار إلى أن هذه المسرحية هي ما لفت نظره في حفلة الافتتاح. وقال: «إنها قصة حقيقية. وقد كانت مؤثرة، وستكون من أهم فعاليات السوق». وقدمت جمعية الثقافة والفنون، ملحمة «الحلم والأناة» التي تحكى الطابع التاريخي والديني بحس فني لقصة إسلام بني عبد قيس، ووفادتهم إلى المدينةالمنورة، لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدما التقوا به عبر وفدين، كان الأول بقيادة الأشج، الذي قال فيه الرسول: «فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله؛ الحلم والأناة». فما كان الوفد الثاني بقيادة سادة وشعراء بني عبد القيس. وبعد ذلك بدأ وصول أولى القوافل التجارية القادمة إلى هجر، إذ حطت رحالها من خلال مشهد مسرحي متكامل في أروقة قصر إبراهيم الأثري. ويهدف العرض إلى رصد ما تم في هذا اللقاء التاريخي من مواقف وأحداث، وما انتهى إليه من نتيجة، حين دخلت بنو عبد القيس إلى الإسلام طوعاً. وبرهنت على أن أفرادها كانوا يتطلعون دائما إلى صحة عقائدهم واتباع طريق الهدى. وتشمل فعاليات السوق الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار، بشراكة إستراتيجية مع «غرفة الأحساء»، أنشطة ثقافية وشعبية، يومية تشمل أركان شعراء هجر، والحرف اليدوية التقليدية، والفلكلورات الشعبية والأهازيج، والمعارض الفنية ومسابقات الرسم، ومقهى، ومسابقات منوعة، وركن الروايات والقصص والحكايات الشعبية، وفعاليات المسرح وما يقدمه من عروض ثقافية وفنية وشعبية وأدبية، إضافة إلى أمسيات شعرية، ومعرض كتاب، وفعاليات مصاحبة في بعض الأسواق الأحساء. ويتعرف زوار السوق على الحرف والصناعات اليدوية التي كانت سائدة في الأحساء، من خلال ركن مُخصص لأرباب الحرف الذين سيمارسون حرفهم في شكل حي أمام الزوار وإنتاج المصنوعات. كما يضم ركناً للقطع التراثية يشارك فيه أصحاب المتاحف والمجموعات الخاصة الذين يمتلكون قطعاً أثرية، إذ سيتم عرضها للسياح وبيعها مباشرة. كما سيكون هناك ركناً للمأكولات الشعبية، التي يتم عرضها أمام الزوار وبيعها، إلى جانب ركن «هجر للطيور»، الذي يضم هواة ومحترفي اقتناء وبيع الطيور على اختلاف أنواعها، والفنون الجميلة وعرض الصور الفوتوغرافية يحكيان جانباً من تاريخ الأحساء، ودورها في اكتشاف وصناعة النفط. كما ستكون هناك مسيرة استعراضية لمجموعات من الخيول العربية الأصيلة والجمال المزينة بأزيائها التراثية من الأشدة والهوادج وقطع السدو وأدوات الحل والترحال، بركابها من الخيالة والهجانة، ومن فرق الفنون الشعبية المشهورة في المحافظة، ومن الصيادين والمزارعين. كما ستُخصص فعاليات نسائية، تضم أنشطة ثقافية وتراثية مُخصصة للنساء، مثل الأزياء الشعبية، والنقش بالحناء. وتتضمن فعاليات السوق أيضاً، أمسيات للشعر الشعبي والفصيح، بمشاركة عدد من الشعراء، على أن تعكس مواضيع القصائد ثقافة المجتمع المحلي وتراثه. ويتخلل هذه الأمسيات إجراء مسابقات بين المشاركين لاختيار أفضل القصائد، ونيل الفائزين جوائز تقديرية ومادية من قبل اللجنة المنظمة. وتنحصر المسابقات في الشعر النبطي، ومسابقة الشعر الفصيح، وتسمى الجائزة «جائزة هجر للشعر. بدوره، أكد محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوى، أن السوق «استرجاع للماضي»، لافتاً إلى أن «الأحساء غنية تاريخياً وثقافياً»، وتمنى أن «تجذب هذه الفعاليات الجمهور، ويكون مكسباً للجميع». كما تمنى أن «يحوز السوق على رضا الأحساء وزوارها». وأكد أن «السياحة مطلب أساسي للمواطنين والمقيمين الآن، وهي خيار استراتيجي. والكل يدعمها». وتمنى «تسارع خطا السياحة»، مستدركاً بقوله إن «السياحة في الأحساء لها مستقبل واعد»، مرحباً «بأي فكرة تسهم في تطوير السوق في السنوات المقبلة». واعتبر رئيس اللجنة التنظيمية لسوق هجر وكيل المحافظة خالد البراك، الفعاليات «أحد أهم المهرجانات والأنشطة التي تحدث في الأحساء خلال هذا العام». وقال: «إن سوق هجر سيشكل حدثاً سنوياً، يمكن من خلاله إحياء التراث والموروث الثقافي الأصيل لهذه المنطقة، فضلاً عما يمثله السوق من ترويج للأحساء في عدد من المجالات، وبخاصة السياحية التي تُعد من الركائز الأساسية التي يسعى سوق هجر إلى دعمها. إذ يمثل السوق مهرجاناً سياحياً يوظف المقومات السياحية المختلفة، وبخاصة الأنماط الثقافية والتراثية في الأحساء». ولفت إلى أن هذا السوق «شهد تعاوناً أقل ما يوصف بأنه مُثمر بين الجهات على اختلاف ميولها وأنشطتها، إذ يشترك في فعاليات هذا المهرجان السياحي نحو 12 جهة». بدوره، أكد المدير التنفيذي لجهاز التنمية السياحية في الأحساء علي الحاجي، أن الهيئة العامة للسياحة والآثار «تسعى لتنمية سياحة التراث والثقافة، وتشجيع إحياء الأسواق الشعبية، والمحافظة على عدم اندثارها، لتكون رافداً اقتصادياً واجتماعياً للمنطقة، ليكون بداية انطلاقة دولية تجذب الزائرين إلى المنطقة، والمهتمين في الثقافة والتراث من الأقطار المجاورة كافة، من دول الخليج والدول العربية، وجعل الأحساء من أهم المناطق سياحياً وثقافياً، وجذب أكبر عدد من الزوار والسياح، وتكوين قاعدة وانطباع ممتع للسائح».