ليس خبر تزوّد «حزب الله» بصواريخ «سكود» هو الخبر المفاجئ. المفاجأة الحقيقية هي أن لا يكون الحزب حريصاً على الجاهزية العسكرية الكاملة في ظل الاجواء الحالية المسيطرة على منطقة الشرق الاوسط. فعندما يصل التصعيد الاسرائيلي الى اقصاه على كل الجبهات، وعندما يسقط ما بقي من عملية السلام في المنطقة ضحية العجز الاميركي امام نتانياهو وتفكك الموقف العربي وانهيار مبادراته السلمية، وعندما تقفل كل الحلول للازمة النووية مع ايران، لا يبقى سوى الصواريخ لملء حالة الفراغ القائمة التي باتت اقرب الى حافة الحرب مما كانت عليه منذ وقت طويل، وعلى الاقل منذ المواجهة الاخيرة في لبنان عام 2006. واذ تسرع الحكومة السورية الى نفي الانباء الاسرائيلية والاميركية عن قصة الصواريخ، فإن هذا يؤكد ان الغليان القائم بات يهدد بالانجراف الى حرب، وهو ما أكده بيان الخارجية السورية الذي اعتبر ان هذه «المزاعم» تهدف الى خلق مناخ يهيّئ لعدوان اسرائيلي محتمل. فدمشق لا تستطيع امام حملة كهذه، وبصرف النظر عن صحة هذه «المزاعم» أو كذبها، أن تعتمد سياسة الغموض التي يعتمدها «حزب الله» حيال اخبار تسلحه وقدراته العسكرية. ذلك ان العاصمة السورية تدرك ان طريق تسلّح «حزب الله» معروفة وغير سرية، وأن اثارة هذه الحملة في هذا الوقت لا يمكن ان يكون هدفها تعداد اسلحة الحزب فقط، بقدر ما هي رسالة الى دمشق حول الاثمان المترتبة على الحلف القائم مع «حزب الله» وتداعياته المحتملة على السكون القائم على حدود البلدين. لن يصدق احد، لا في الولاياتالمتحدة ولا في غيرها، أن صواريخ «سكود» باتت تهدد الميزان الاستراتيجي في المنطقة لغير مصلحة الدولة العبرية. يمكن ان تطاول هذه الصواريخ مدى من المدن الاسرائيلية يصل الى عمق 600 كلم. ويمكن ان تلحق اضراراً بالبنية التحتية وبالاجهزة الدفاعية لدى اسرائيل. ولكن، ماذا عن قدرة الرد الاسرائيلية في وضع كهذا؟ ومن هي الجهة القادرة على تحمل الاكلاف المترتبة على مثل هذا الرد؟ ليست الحملة الاسرائيلية في شأن صواريخ «سكود» موجهة ضد سورية او «حزب الله» وحدهما. انها حملة تستهدف ادارة اوباما كذلك. هذه الادارة التي اعتمدت سلوك الانفتاح على دمشق تجد نفسها الآن متهمة من قبل اسرائيل بالانفتاح على «العنوان الخطأ»، وهو ما اشار اليه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز بقوله ان «سورية تؤكد انها تريد السلام وتقدم في الوقت ذاته صواريخ سكود لحزب الله الذي ينحصر سبب وجوده بتهديد اسرائيل». لهذا لم يكن صدفة ان تنطلق هذه الحملة في وجه سورية بينما تسير عملية التصديق على تعيين السفير الاميركي الجديد في دمشق في مسارها القانوني في اروقة الكونغرس، وبينما تستمر الضغوط الاميركية على اسرائيل لمنعها من القيام بضربة استباقية للمنشآت النووية الايرانية. ليس ما هو اكثر دلالة على عجز الحالة اللبنانية حيال «حزب الله» والاخبار الآتية عن تزوّده بالصواريخ من أن تأتي هذه الاخبار بينما يناقش القادة اللبنانيون في «حوارهم» مسألة سلاح الحزب، بعد ان اصبح الاسم المعتمد لهذا السلاح هو «الاستراتيجية الدفاعية». فبينما تجد كل الجهات «المعنية»، من اميركا وفرنسا غرباً الى سورية وايران شرقاً، فضلاً عن «حزب الله» بالطبع، ما تقوله عن هذا الموضوع، تبقى حكومة لبنان هي البكماء الوحيدة. ومن هنا الوضع الصعب الذي وضعتها فيه الادارة الاميركية عندما حذّرتها من أن تعزيز «حزب الله» ترسانته العسكرية يضع لبنان امام مخاطر حقيقية.