جيفيرني (فرنسا) - أ ف ب - أقام كلود مونيه على مقربة من نهر السين، ومخر غوستاف كاييبوت مياهه مراراً، في حين صرف القسط الأكبر من الرسامين الانطباعيين الباقين على الأرجح وقتهم في المقاهي البديعة المحاذية له. متحف «جيفيرني» في منطقة النورماندي (شمال باريس) يبرز النهر الفرنسي الشهير كأحد مصادر التأثير المحورية في اسلوب هؤلاء التشكيليين خلال القرن التاسع عشر، إبان التحولات الطارئة عليه فيما كان يفقد طابعه البري لينخرط في حقبة الصناعة وعجلة الترفيه. ويعد المعرض مقدمة لمهرجان التيار الانطباعي المزمع إقامته بدءاً من حزيران (يونيو) المقبل في مختلف انحاء النورماندي، ويجعل الزائر ينتقل بالنظر من ضفاف روان الى أحواض ميناء لوهافر. هنا تقف جسور باريس وأرصفة موانئ بيرسي التي تعج بالبراميل، في حين تنتصب كاتدرائية مانت لاجولي من خلف شعب النبات، وتبين أيضاً الغسالات المنهمكات في العمل على بساط من الحصى في انديلي، فضلاً عن الحانات الشعبية المختلفة المنتشرة على طول النهر. ويجمع معرض «جيفيرني» حوالى خمسين لوحة من بينها بعض التحف الفنية مثل «الفونسين فورنيز» و «كانوتييه آ شاتو» لأوغوست رنوار، و «لي ديشارجور دو شاربون» و«ارجانتوي» لكلود مونيه، فضلاً عن «بارتي دو باتو» لغوستاف كاييبوت. اما الأعمال الأقدم مثل «باريس فو دو لا تيراس دو سان كلو» لتيودور روسو وتعود الى عام 1832، فتظهر نهراً برياً تخترقه الرمال نبت العشب على ضفافه. غير انه وعلى مر الوقت يتبدل المشهد الريفي فتبرز المعامل على ضفاف صارت اكثر فأكثر اكتظاظاً حيث استبدلت الجسور المعدنية بالمباني الحجرية، فيما صارت مراكب الاستجمام تجاور العبارات الضخمة. وتقول مارينا فيريتي المسؤولة عن المعرض: «كان نهر السين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مهد تيار التشكيل الجديد لأنه شكل منبع كل الابتكارات». وبالنسبة الى الرسامين الذين اشتغلوا الزخرفات الفنية، لم تكن المزاوجة بين الصناعة ومصادر التسلية على طول منعطفات النهر امراً غير مألوف بل على العكس موضوع استحسان. وتضيف فيريتي: «اراد الرسامون وصف الحياة عينها، وفي حالات كثيرة بانت في اللوحات عناصر نافرة كمثل الطيف المشرق لأحد المتنزهات او شراع ساطع لسفينة استجمام على خلفية مداخن المصانع والجسور المعدنية». ولقد التزم الرسامون تماماً «العالم الجديد الذي صوروه، عالماً مؤمناً بمزايا التقدم وحيث ساد مذهب المتعية». كانوا يرتادون الحانات الشعبية في حين مارس بعضهم الرياضات البحرية مثل غوستاف كاييبوت الذي صار رئيساً لنادي مراكب شراعية. اختار عدد كبير منهم الإقامة على ضفاف النهر حتى مثل زعيم التيار الانطباعي كلود مونيه الذي استقر في «جيفيرني» حيث أقام حديقة طافقة بالألوان ستشكل بالنسبة اليه مصدر وحي لا ينضب. وقبل مغادرة المعرض يتأمل الزائر أعمالاً تنتمي الى مدرسة الوحشية لهنري ماتيس، وموريس دو فلامنيك، واوتون فريسز تظهر اهتمامهم بنهر السين أيضاً قبل ان يهجروه الى ضفاف اكثر ضوءاً وشمساً في جنوبفرنسا.