يبدو أن كثيراً من شيوخ الدين عندنا وقعوا في مصائد إلكترونية لا ينفع معها ما كان رائجاً من آليات دفاع قديمة، وهي الاعتماد على ثقة الناس وربما سذاجتهم، وتكذيب الخبر، والقول بأن ما نشر عنهم هو من المؤامرات التي تحاك ضد الدين والشيوخ المدافعين عن ثوابته ونصرته. فبعد نفي الدكتور يوسف الأحمد وتكذيبه لمهاجميه حول رأيه المسجل بالصوت والصورة في هدم الحرم، يقع اليوم الشيخ النجيمي في قصة مشابهة حول تكذيب صوره وهو متلبس بتهمة الاختلاط التي رعى تحريمها، وجلوسه مع النساء مبتسماً وممازحاً والقول بأنها مفبركة، وهذا لا يعني فقط أنه يتهم شخصاً واحداً بل إن التكذيب يشمل جميع الحضور ومراسلي الصحف السعودية والكويتية. كثيرون تفاءلوا بأن هذه الصورة عكست جانباً متنوراً ترجمه لقاء الشيخ النجيمي مع نخبة من نساء الكويت من الناشطات الحقوقيات والمثقفات، وفي يوم المرأة العالمي الذي يفترض أنه يوم يحمل فكرة تكريم المرأة وشد أزرها والنهوض بها وبجهودها العالمية والمحلية، لكن صور الشيخ النجيمي أوقعته على ما يبدو في ورطة كبيرة جعلته يتراجع عن ما تم نقله بالصوت والصورة وشهادات شهود العيان، وورطته تتلخص وتتوسط بين ورطتين، ورطته الأولى مع جماعته من الإسلاميين الذين أخذوا عليه مشاركته بين نساء سافرات في مناسبة فيها تشبّه بالغرب، ثم ورطته حين حاول تصحيح وتجميل ما حدث مع الكويتيات اللاتي لم يقبلن أن يقول بينهن شيئاً وحين يعود يقول عليهن شيئاً آخر. ورطته الكبرى أنه وقع هذه المرة مع كويتيات يتسلحن بحرية تعبير في الصحافة لا رادع لها وقوانين مدنية سترفض أن يرفع الشيخ صوته عليهن ويجلدهن بسوط كلماته ويقول إنه إنما ذهب مغلباً مصلحة تأديبهن وردعهن على مفسدة مشاركته معهن، ثم يصفهن بالعاصيات، ويبدو أن الشيخ النجيمي «وقع وقعة ما بعدها وقعة». كنت آخذ على الشيخ النجيمي ظهوره المستمر في قناة «ال بي سي» مع مذيعة «سافرة»، لكنه رغم هذا لا يتحفظ تأدباً في خطابه المهين لكل النساء السافرات منهن وغير السافرات، مشيعاً بين الناس أن شيوخ الدين السعوديين عندنا لا يتأدبون في خطابهم مع الآخر المختلف معهم وعنهم. الخلق الرفيع والتهذب في الحديث ليسا سلوكاً مطلوباً فقط من شيوخ الدين بل وأيضاً إنصاف مبادئ الدين الرفيعة التي تحترم حرية المعتقد وحرية التعبير، وهذا ما تجده عند معظم شيوخ مصر والمغرب والشام. لكن الشيخ النجيمي وغيره كثيرون ينسون أن عصا الوصاية والتسلط وتعنيف النساء وتجهيلهن والاستخفاف بكرامتهن وعقولهن ستكلفهم الكثير حالما يتعدون حدود السعودية، ويقعون في حمى كويتيات «ثقيلات» الوزن سياسياً وفكرياً، سيحشرن الشيخ النجيمي شر حشرة، وينشبن في حلقه ولن يتراجعن عن محاصرته بالأدلة البصرية والسمعية التي تستطيع التقنية إثبات أنها غير مزيفة، وهي الأدلة التي أنكرها الشيخ النجيمي رغم أنه غير مضطر لإنكارها، فما فعله لا يقع في محظور ديني، فهو اختلاط عام ليس فيه خلوة، وحديث معلن ومصوّر وضحك محتشم، وحديث رفق ولين الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة مازح النساء، لكنه غالى وتشدد فوقع في شر غلوه وتشدده. الورطة ليست في ما فعل النجيمي بل في إنكاره لما فعل وإصراره على القول بأنه ذهب هناك لا ليحاور النساء ويشاركهن طروحاتهن، بل ذهب ليؤدبهن ويعلن عصيانهن. وهو ما لم ترضه الكويتيات وقلن له «وقف عند حدك». [email protected]