ساد اليوم الأول للاقتراع في أول انتخابات تعددية تجرى في السودان منذ نحو ربع قرن، فوضى وارتباك وتجاوزات واحتجاجات وشكوك في نزاهتها. وطالبت المعارضة المقاطعة للمنافسة بوقفها واعتبرتها «مهزلة» ستقود البلاد إلى «هاوية»، كما دعت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» إلى تمديدها، ما دفع مفوضية الانتخابات إلى الإقرار بوقوع «أخطاء»، ملمحة إلى إمكان تمديد الاقتراع أكثر من أيامه الثلاثة المقررة. وتوجه الناخبون إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والإقليمية التي تستمر ثلاثة أيام ، لكنهم تأخروا ساعات تحت هجير الشمس في بعض المراكز وساد ارتباك وأخطاء فنية وقصور لوجستي، كما ألغت المفوضية الانتخابات في بعض الدوائر. ولم يبدأ الاقتراع في ولايات في وسط البلاد أمس لعدم وصول موظفي المفوضية وتأخر وصول بطاقات الاقتراع. وأدى سقوط أسماء بعض الناخبين واختفاء أسماء بعض المرشحين إلى انسحاب ستة مرشحين في الخرطوم تحدثوا عن مخالفات وعمليات تزوير واسعة. وقال مرشحا الرئاسة عن حزبي «الاتحادي الديموقراطي» حاتم السر و «المؤتمر الشعبي» عبدالله دينق، إن حزب "المؤتمر الوطني» الحاكم مارس التزوير في شكل «مخيف»، وأكدا أنهما لن يعترفا بنتائج الانتخابات، وحذرا من أن استمرارها سيقود البلاد إلى «هاوية». وقال حاتم السر في مؤتمر صحافي إن ما يجري كاف لإرجاء الانتخابات، واصفاً التجربة في اليوم الأول ب «الهركلة». وأضاف: «لا يمكن أن نصفها في أي حال بأنها عملية انتخابية يمكن أن تأتي بتحول ديموقراطي». وحمل في شدة على مفوضية الانتخابات وقال إنها غير مؤهلة للإشراف على العملية الانتخابية. وحذر من «فوضى عارمة» إذا أصرت الحكومة على استمرار العملية الانتخابية بشكلها الحالي، معتبراً أن «ما يحدث جريمة وطنية ستعرض أمن البلد واستقراره إلى مخاطر حقيقية». وكشف الأمين العام ل «المؤتمر الشعبي» الدكتور حسن الترابي أن تقارير وردت إلى حزبه من الولايات الشمالية والجنوبية «تؤكد وجود مخالفات واسعة وارتباك شديد في عملية الاقتراع، إلى جانب تدخل قوات حكومية في دارفور لمنع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع». لكن الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر قلل من أثر التأخر بنقل بعض المعدات اللازمة للعملية الانتخابية، مشيراً إلى أنه ما زال أمام المفوضية ثلاثة أيام عمل لتدارك هذه الأخطاء. وقال بعدما زار مراكز اقتراع في الخرطوم: «إذا انتهت الانتخابات بنتائج يرضى عنها الرابحون والخاسرون، فإنه في ذلك الوقت يمكن القول إن هذه الانتخابات ستكون أساساً جيداً للتعايش السلمي حتى حلول موعد الاستفتاء على استقلال الجنوب» في كانون الثاني (يناير) المقبل. ومع نهاية أول أيام الاقتراع، أقرت المفوضية القومية للانتخابات بحصول بعض «الأخطاء» اللوجستية، لكنها أكدت أن العملية الانتخابية تسير في شكل «جيد»، وإن لمحت إلى إمكان تمديد الاقتراع. وساد هدوء أمني الأوضاع في دارفور وجنوب السودان. وفي الخرطوم، فرقت الشرطة تظاهرة شارك فيها 150 معارضاً من أنصار «حركة تحرير السودان» بزعامة عبدالواحد محمد نور في سوقين في ضاحيتي مايو في جنوب شرق العاصمة والحاج يوسف في شرقها أعلنوا فيها رفضهم للانتخابات، وأوقف الأمن مجموعة من المتظاهرين وضبط في حوزتهم بيانات وصور عبدالواحد نور، ودونت اتهامات في مواجهتهم تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة. وفي السياق ذاته، وصفت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بزعامة نائب الرئيس رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت قرار مقاطعتها للعملية الانتخابية في شمال البلاد بالقرار الصائب، وحملت في شدة على مفوضية الانتخابات والحزب الحاكم. وأشارت إلى ضبط عدد من المخالفات التي صاحبت عملية الانتخاب واعتبرتها أولى خطوات مخطط مرسوم مسبقاً لضمان فوز «المؤتمر الوطني» ومرشحه للرئاسة عمر البشير. ورأى مرشح «الحركة الشعبية» للرئاسة المنسحب من السباق ياسر عرمان أن مقاطعة الانتخابات «خدمة للسلام الاجتماعي كفت البلاد شر العنف». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن سامسون كواجي مدير حملة سلفاكير أن «الحركة الشعبية» طلبت رسمياً من المفوضية تمديد عملية الاقتراع من ثلاثة إلى سبعة أيام. وقال: «رصدنا تجاوزات عدة. اليوم غير محتسب. لقد وجهنا شكوى إلى مفوضية الانتخابات نطلب فيها تمديد الاقتراع... ونحمل المفوضية المسؤولية. لا بد من إجراء تحقيق في شأن من يقفون وراءها».