أبرزت أزمة الغذاء العالمية وارتفاع أسعاره، اهتماماً متجدداً بالقطاع الزراعي، تحديداً في المنطقة العربية التي تعتمد بنسبة 50 في المئة على الاستيراد لتأمين حاجاتها الغذائية بكلفة تتجاوز 30 بليون دولار سنوياً، فاتجهت إلى زيادة استثماراتها في قطاع الزراعة. ولا تألو المنظمات الدولية المتخصصة في الزراعة جهداً للتشجيع على تطوير هذا المنحى، لأن لا سبيل إلى حلّ مشكلة الأسعار والإنتاج إلا في ضخّ رؤوس الأموال في القطاع الزراعي. وللمنظمات الدولية المعنية سواء كان دورها التمويل أو الإرشاد أو الدعم التقني والفني، وهو دور يتنامى في هذا المجال، ومنها الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) التابع للأمم المتحدة، ويتمايز عن المؤسسات الأخرى بتقديمه قروضاً ومنحاً للاستثمار في القطاع الزراعي. وتتوجّه استثماراته التنموية إلى الأرياف الفقيرة، وهي كثيرة في الدول العربية، لتساعد المزارعين الصغار والفقراء الأشد حاجة. وينسّق مع الحكومات والمجتمع المدني في كل دولة لإدارة استثماراته وقروضه، ويركّز كثيراً في مشاريعه على مورد رئيس هو المياه، التي تشكل الأساس في نجاح أي مشروع زراعي، فيعمل على الحد من إهدارها من خلال تقنيات حديثة، وإدارة رشيدة لاستخدامها. ففي المنطقة العربية مثلاً يكافح خطر شحّ المياه لأنها تفتقر إلى هذا المورد. وحذّر المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) نديم خوري في حديث إلى «الحياة»، من «خطر شحّ المياه»، لافتاً إلى أن «حصة الفرد منها في المنطقة لا تتجاوز ألف متر مكعب سنوياً، وهو المعدل الأدنى في العالم»، مشيراً إلى أن الأردن «هو الأفقر في هذا المورد، فيما لبنان يملك كميات كافية منها لكن تتعرض إلى الهدر وهو بحاجة إلى مزيد من الترشيد الإداري. وأكد أن الصندوق في كل استثماراته ووسائل إدارته للمشاريع الزراعية «يركّز على تأمين هذه المياه واستخدامها الجيد». وكشف خوري أن الدول الأعضاء (165 ) في الصندوق «أقرّت رفع قيمة التمويل بنسبة 50 في المئة، ليصل المبلغ المرصود لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتضم 14 بلداً، إلى 350 مليون دولار من أصل 3 بلايين لدول العالم». ولفت إلى أن الصندوق «أنهى سابع دوراته التمويلية لعام 2009، وهو في صدد التحضير لتنفيذ برنامج يشمل هذه السنة ويمتد حتى عام 2012، إذ ينظّم كل 3 سنوات مشاورات دورية بين الدول الأعضاء في شأن تجديد موارده المالية، لاستثمارها في مشاريع إنمائية في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض وفي النشاطات المرتبطة بها». واعتبر أن بلدان هذه المنطقة «ليست الأفقر»، مقارنة بدول إفريقية وآسيوية، موضحاً أن الصندوق «يهدف إلى تشجيع الدول من خلال استراتيجياتها التنموية والاستثمارية، على الاستثمار في شكل يساعد الفقراء وليس فقط على إنماء المدن». وذكّر بأزمة الغذاء الأولى في سبعينات القرن الماضي، إذ لوحظ أن «تأثيرها كان أعمق في الفقراء وسكان الريف». ورأى أن «تأثيرها في المنطقة أكبر لأنها تعتمد في شكل كبير على استيراد الحاجات الغذائية، تحديداً الحبوب، ما يعني أن أي تأثير في الأسواق والأسعار سينعكس سلباً على الفقراء الذين تعيش غالبيتهم في المناطق الريفية. لذا تُخصص نسبة كبيرة من استثمارات الصندوق لهذه المناطق». وكشف أن المملكة العربية السعودية هي من أكبر الممولين للصندوق، إذ «تصل قيمة مساهمتها الأخيرة إلى 50 مليون دولار»، ولفت إلى أن مساهمة اليمن «بلغت مليون دولار، على رغم محدودية قدراته المالية». وأوضح أن أكثر الدول المستفيدة من قروض الصندوق في الإقليم هي السودان (28 مليون دولار) ومصر (85 مليوناً) واليمن (32 مليوناً)، المغرب (29 مليوناً)، وسورية (28 مليون دولار)، في حين أن في إمكان دول أخرى ومعظم دول الخليج الاستفادة من الاستشارة والإشراف على تنفيذ المشاريع التي تمولها ذاتياً». أما في لبنان، فيعمل الصندوق مع وزارة الزراعة على «تنفيذ مشاريع ودراسات تدخل في إطار خطة لوزارة الزراعة اللبنانية تتكون من ثمانية محاور لتنشيط القطاع الزراعي». وأشار إلى «قرض خاص من «إيفاد» بقيمة 4 ملايين دولار، إضافة إلى قرض من صندوق «أوبك» للتنمية بقيمة 8 ملايين دولار، فضلاً عن منحة إسبانية بقيمة 1.2 مليون دولار». وأعلن أن الصندوق «يركّز على بناء برك لتجميع المياه، نظراً إلى أهميتها في المجال الزراعي، وعلى المناطق الريفية الأكثر فقراً في لبنان، مع التشديد على الحفاظ على التوازن الجغرافي في توزيع هذه الاستثمارات». وعن أزمة الغذاء العالمية واتجاه الأسعار، أكد خوري أن «من الصعب انخفاض أسعار السلع الغذائية مجدداً في الأسواق الاستهلاكية، ولو تراجعت في شكل طفيف في الأسواق الدولية». وعن اتجاه دول كثيرة إلى الاستثمار في بلدان عربية تملك أراضي وقدرات فنية في القطاع الزراعي لتأمين الغذاء لأسواقها المحلية، لاحظ «العودة التدريجية إلى الزراعة بعد أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار». ولفت إلى أن السودان هو «البلد الوحيد الذي يمكنه توسيع رقعته الزراعية في شكل ملموس، وهو يجذب توظيفات كبيرة وتشكل الزراعة فيه 30 في المئة من الناتج». وأشار إلى أن أكثر الدول الخليجية الناشطة في هذا المجال هي السعودية وقطر والإمارات والكويت التي يستثمر معظمها من خلال صناديق سيادية، ما يعني أن هذه المشاريع ليست خاصة كلياً». كما تتجه الدول المستثمرة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة «نظراً إلى التسهيلات الممنوحة للمستثمرين». ولم يعطِ تفاصيل عن حجم هذه الاستثمارات ومردودها والإنتاج، لأن «معظمها خاص». ورأى أن العودة إلى الاستثمارات الزراعية خصوصاً من جانب المزارعين الصغار «تمثل مطلبنا المزمن»، مشيراً إلى أن «نسبة 10 في المئة فقط من الإنتاج العالمي للحبوب يتطرح في الأسواق، لأن الدول المنتجة تستعمل هذا الإنتاج لتغطية حاجات أسواقها المحلية». لكن حذّر من مشكلة تتمثل في «عدم توافر المؤسسات المُتابعة لهذه المشاريع، وعدم تنظيم ملكية الأراضي، إذ يُخشى أن يُوقع أي مستثمر عقداً وتخصص له الدولة أرضاً معينة تكون مشغولة من عائلات فقيرة تعيش من زراعتها». لذا لا بدّ من «قانون ينظم هذه المشاريع ويحمي المجتمعات المقيمة في هذه الأراضي ويضمن حقوقها، وحقوق مالكي الحيازات الصغيرة، ول «إيفاد» دور في مساعدة الحكومات والقطاع الخاص على توفير هذه الضمانات». وأوضح خوري أن دور الصندوق «لا يقتصر على التمويل، بل يشمل أيضاً التعاون مع مؤسسات إقليمية في إعداد البحوث للتوصل الى زراعات تحتاج إلى كميات أقل من المياه، وأخرى تتحمل نسبة معينة من ملوحة المياه». وأشار إلى أن «80 في المئة من استثماراتنا توظّف في مشاريع المياه لأن معظم مساعداتنا يذهب إلى المناطق الجافة في الإقليم».