يُحسب للباحث الباكستاني شيما خان (Sheema Khan)، جرأة التحذير من «اختطاف الإسلام»، في مقال مرجعي مؤرخ في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2002، في منبر «غلوب أند مايل» (The Globe and Mail)، في سياق زمني يتميز باستخلاص بعض دروس صدمة اعتداءات نيويورك وواشنطن الإرهابية (يتحاشى العديد من المعلقين العرب والمسلمين، وصف هذه الاعتداءات بأنها إرهابية، بل إن بعضهم لا يُلصِق ذات الوصف حتى على اعتداءات طاولت الدول العربية والإسلامية). «اختطاف الإسلام»، الذي يتحدث عنه شيما خان، لا يهم فقط ذلك المشروع الصادر عن حركات وأحزاب «الإسلام السياسي» (ونقصد بها تحديداً الحركات الإسلامية المنخرطة في العمل السياسي الشرعي)، ولكن يهم على الخصوص مأزق أكبر يهم الاختطاف الصادر عن الحركات الإسلامية «الجهادية»، المعنية الأولى بمنعطف هذه الاعتداءات، ولعل آخر التصريحات الصادرة عن أسامة بن لادن دون سواه، توجز مدى خطورة وتبعات صمت علماء المؤسسات الدينية عن هذا الاختطاف، والصمت الآخر، المريب دوماً، لعلماء وفقهاء الحركات الإسلامية المعتدلة. فقد هدّدَ زعيم تنظيم «القاعدة» يوم الخميس 25 آذار (مارس) الماضي، في شريط صوتي بثته فضائية «الجزيرة» القطرية، بإعدام كل أميركي يأسره تنظيمه إذا أعدمت الولاياتالمتحدة الأميركية خالد شيخ محمد، المتهم الرئيسي في اعتداءات نيويورك وواشنطن. وعوض مواجهة العقل الإسلامي الفقهي بفداحة هذه التصريحات، وخطورتها في تكريس خيار ومشروع الاختطاف إياه (القائم في شكل مخيف في مجالنا التداولي الإسلامي المغربي، في غفلة من صناع القرار الديني على الخصوص)، نصطدم بإصرار جلّي لبعض الأقلام والمنابر الإعلامية، على «تفكيك» و «تأويل» هذه «الاستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة»، بتعبير إحدى القراءات الإعلامية، وصبت في اعتبار الشريط «نقلة كبيرة في استراتيجية التنظيم، ومؤشراً على نوعية عملياته في المستقبل القريب». - ضمن هذه «المؤشرات النوعية»، نقرأ مثلاً «محاولة التنظيم خلال الأشهر المقبلة أسر عسكريين أو مدنيين أميركيين لاستخدامهم كرهائن للضغط على الإدارة الأميركية لإطلاق سراح كل من خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة وباقي عناصر تنظيم «القاعدة» المحتجزين في سجون الولاياتالمتحدة». - ومن «المؤشرات النوعية» أيضاً، بحسب المنبر ذاته، إعادة «التنظيم التركيز على القضية الفلسطينية مجدداً، مثلما فعل في الأشرطة السابقة الأخيرة، إذ هاجم بقوة الدعم الأميركي للإسرائيليين و «مظالمهم» في فلسطينالمحتلة، وهدد بأن الأميركيين سيكونون مخطئين إذا اعتقدوا أنهم في مأمن بسبب وجودهم خلف المحيطات، وذكر بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي ضربتهم في عقر دارهم». أمر مقلق وخطير في آن، أن نترك أسامة بن لادن، يتحدث كما لو أنه «ناطق باسم العقل الإسلامي المعاصر»، ونعتقد أن صمت علماء المؤسسات الدينية في ربوع العالم الإسلامي برمته، يخدم مشروع/ خيار «اختطاف الإسلام»، من دون الحديث عن صمت «فقهاء» الحركات الإسلامية المعتدلة، ومعها حركات وأحزاب «الإسلام السياسي». لتبيان مدى تهافت الأطروحات الإسلامية «الجهادية» التي يروق لها المزايدة على «الرأسمال الرمزي» للقضية الفلسطينية، حرّي بنا الاستشهاد بالذي صدر عن سيد إمام عبدالعزيز، أو «الشيخ فضل»، كما نقرأ في كتابه القيم الذي يحمل عنوان «مستقبل الصراع في أفغانستان». فبخصوص أطماع بن لادن، يقول الدكتور فضل: «رحل بن لادن إلى أفغانستان ومعه طموحاته في الصدام مع أميركا لأجل الوصول إلى زعامة الأمة الإسلامية. كانت طموحات جمال عبدالناصر متواضعة، وهي مجرد الوصول إلى زعامة الأمة العربية التي لم يتجاوز عددها وقتئذ 150 مليوناً، فانتهى الأمر إلى هزيمة مروعة لكل الجيوش العربية أمام إسرائيل في 1967، واحتلالها الجولان في سورية والضفة الغربية مع القدسالشرقية في فلسطين وسيناء. أما صدام حسين فكانت طموحاته أكثر تواضعاً: مجرد الاستيلاء على الكويت فجلب الخراب على الكويت والدمار على العراق. وكلاهما (أي عبدالناصر وصدام) اتخذ من مناطحة أميركا ورفع قميص فلسطين شعاراً له. وعلى الطريق ذاتها سارت «القاعدة» لتصل إلى زعامة الأمة الإسلامية بعددها الذي تجاوز البليون نسمة. ولأن الطموحات أكبر فلا بد أن تكون الكوارث أعظم». لا نعتقد أن هناك من القواعد الإسلامية الحركية (المعتدلة و «الجهادية» على حد سواء)، ولا من الأقلام الإعلامية التي «أبدعت» كثيراً في «تفسير» وتفكيك» و «تأويل» تصريحات وخُطب أسامة بن لادن، من يمكن أن يُشكّك في رصانة هذه القراءة النقدية الصادرة عن الرجل الذي يُلقّب بأنه «مؤلف دستور تنظيم «القاعدة»! * باحث من المغرب.