قوبل تقرير ديوان المراقبة العامة، والذي كشف تجاوزات مالية في عدد من الوزارات والجهات الحومية بارتياح وترحيب في الأوساط الاقتصادية، التي أكدت أن ديوان المراقبة بدأ يلعب دوراً مهماً في تطبيق الأنظمة والقوانين ومتابعة أداء الجهاز الحكومي. وشدد خبراء اقتصاديون تحدثوا ل «الحياة» على ضرورة معاقبة من ارتكب خطأ لحماية المال العام. وأوضح رئيس مجلس الأمناء لكليات إدارة الأعمال الأهلية في جدة الدكتور عبدالله دحلان أنه كان يطالب منذ كان عضواً في مجلس الشورى بضرورة تفعيل الأجهزة الرقابية وتحقيق الشفافية من خلال مراقبة المسؤولين الحكوميين، وتطبيق الإجراءات الإدارية والمالية الصارمة في الجهاز الحكومي، بسبب ارتفاع نسبة الفساد الإداري والمالي خلال السنوات العشر الأخيرة». وقال دحلان: «إن ارتفاع نسبة الفساد يعود إلى غياب الأجهزة الرقابية وعدم تفعيل المخالفات التي تصدرها وترفعها الأجهزة الرقابية، خصوصاً ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق»، مشيراً إلى أن هيئة الرقابة والتحقيق بدأت للمرة الأولى تلعب دوراً مهماً في تطبيق الأنظمة والقوانين ومتابعة أداء الجهاز الحكومي وموظفي الدولة إدارياً. وأعرب عن أمله باتخاذ قرارات صارمة وتطبيق الجزاءات على جميع من ارتكب خطأ حماية للمال العام، مشدداً «على ضرورة نشر التقرير ليكون رادعاً لمن تسول له نفسه ارتكاب أي أخطاء مالية، وأجزم بأن بعض الأخطاء تقع نتيجة لجهل أو تصرفات لمسؤولين بإصدار قرارات ليست من صلاحياتهم». وأشار إلى أن المخالفات ليست بالضرورة أن تكون في أجهزة حكومية، فقد تكون في شركات خاصة تملك الدولة جزءاً من رأسمالها مثل البنوك وشركات مثل «سابك» و«الاتصالات السعودية» و«السعودية للكهرباء»، فهذه شركات رساميلها بالبلايين، وتملك الدولة أكثر من 60 في المئة منها. وتابع: «هذه الشركات يرتكب بداخلها أخطاء من رؤساء مجالس الإدارات ومديري وأعضاء مجلس إدارة منتدبين، وعلى ديوان المراقبة أن يضبط هذه المخالفات وأن يكثف جهوده في متابعتها، لأن في ذلك هدراً للمال العام، ووقف الفساد المالي والإداري سيسهم في زيادة نمو الاستثمارات الحكومية والخاصة». واستطرد دحلان: «هناك تقارير ثابتة تصدر منذ سنوات طويلة من ديوان المراقبة، لكنها لم تعلن، والجديد في تقرير العام الحالي إعلانه بشفافية، ولا بد من إعلان أسماء الوزارات التي وقعت فيها أخطاء، ولن يكون هناك قيمة ما لم يطبق الجزاء وتصحح الأوضاع، من خلال وضع آليات وضوابط وعقوبات لتطبيق الجزاء على كل من ساهم في إهدار المال العام». من جهته، قال رئيس مركز استشارات الجودة الاقتصادية الدكتور محمد شمس إن «التجاوزات والأخطاء الحاصلة ترجع إلى عدم إشراف ديوان المراقبة عن كشفها قبل وقوعها، ولا بد أن تكون هناك عقوبات شديدة على المخالفين». ونبه شمس إلى أهمية أن «يكون هناك عقاب رادع من الديوان ومجلس الوزراء على هذه المخالفات، خصوصاً أن العالم يمر بأزمة اقتصادية، وموازنة الدولة للعام الحالي تتضمن عجزاً، لذلك يجب على الوزراء التقيد بالموازنة، حتى لا تتفاقم الديون ويزداد عجز الموازنة». وأوضح أنه «يجب على ديوان المراقبة مراقبة شركة أرامكو لأن موازنتها كبيرة، ولا يوجد تدقيق عليها، ويوجد إسراف كبير في نفقاتها، خصوصاً مع ضخامة مشاريعها داخل المملكة وخارجها والتي تقدر ببلايين الدولارات». وتابع يقول: «كلما زاد الإنفاق زاد الفساد الإداري والمالي في المؤسسات، وبذلك يقل العائد من الموازنة والأموال التي أنفقت، فلو تم مشروع ببليون دولار، واقتطع منه 25 في المئة بسبب التجاوزات الإدارية والمالية فإن العائد الاستثماري سيقل، وبذلك ستقل الفعالية الإنتاجية والناتج الوطني». ولفت شمس إلى أن الحد من هذه التجاوزات يتم بالمراقبة ووضع القواعد والضوابط الإدارية والمراقبة والعقوبات، ولابد من وجود الشفافية في هذه الإدارات بالنسبة للبيانات المالية. أما رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية الدكتور أنور عشقي، فشدد على أهمية ديوان المراقبة العامة في الوقت الحالي خصوصاً أن العالم يمر بأزمة مالية، واتضح أن أسبابها الرئيسة تتمثل في المخالفات وضعف الرقابة على المؤسسات الأهلية والحكومية. وقال: «إن تقرير ديوان المراقبة يدل على تجاوزات في الكثير من الوزارات، وهذه المخالفات كان من الضروري مراقبتها في السابق منذ بدايتها، وظهورها الآن يدل على الإصلاح الحقيقي والتوجه الذي يسير عليه خادم الحرمين الشريفين وهو إصلاح فكري ومالي واقتصادي لجميع المستويات والمجالات». ويضيف عشقي: «هذه المخالفات تعتبر نوعاً من الفساد ولها خطورة على الاقتصاد السعودي والوطني، ولا بد من وضع ضوابط أكبر حتى نمنع تسريب الأموال من دون وجه حق»، منوهاً بأن ظهور المباني الوزارية والمؤسسات الحكومية والمكاتب الفارهة بشكل ملفت دليل قاطع وإشارة واضحة على تجاوزات ومخالفات لهذه الجهات، وإنفاق الأموال الضرورية في الكماليات. وأكد أهمية ترشيد الإنفاق في الوزارات لأن المبالغ المرصودة في المخالفات كان يجب أن تستغل في فتح الجامعات وإصلاح أحوال الفقراء واستخدامها في الضروريات، كما أنه لا يمكن وضع حد لهذه التجاوزات بالنظم وحدها، ويجب أن تكون هناك مراقبة ومتابعة وحزم في تطبيق هذه الأمور، ومن ثم فرض عقوبات على المخالفين لأنه لا يوجد نظام أو قانون من دون عقوبة. وأشار إلى اختلاط المفاهيم لدى الغالبية بين السعي والرشوة، مشيراً إلى أن السعي هي نسبة متعارف عليها بأتعاب شخص أقرها النظام والقانون والشريعة لجهات معينة، أما الرشوة فهي تعطى قبل إنجاز العمل إما بوعد أو بدفع، أما المكافأة التي يتم تقديمها بعد إنجاز العمل بسبب جودته فهي محمودة ومطلوبة في الإسلام، أما الرشوة فهي مرفوضة.