قال اقتصاديون أن تقرير ديوان المراقبة العامة الذي تم رفعه أخيراً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن مخالفات وأخطاء خلال عمليات المراجعة والتدقيق التي قام بها، يضع الاصبع على جرح غائر نعاني منه منذ فترة طويلة، وأدى إلى إهدار كبير في المال العام. وأوضحوا في تصريحات ل«الحياة» أننا بحاجة إلى إجراءات ما بعد التقرير، والتي تعالج القصور الذي تم تسليط الضوء عليه في التقرير، ما يؤدي إلى نقلة نوعية في أداء ديوان المراقبة، وبخاصة أن خادم الحرمين الشريفين أمر المؤسسات والوزارات الحكومية بفتح أبوابها أمام موظفي الديوان ليمارسوا عملهم بعدل وشفافية لمصلحة الوطن. وكان التقرير كشف عن مخالفات وأخطاء خلال عمليات المراجعة والتدقيق التي قام بها، من بينها صرف عدد من الجهات الحكومية مبالغ من دون وجه حق أو الالتزام بها من دون سند نظامي، وكذلك ضعف متابعة تنفيذ العديد من المشاريع والتراخي في تطبيق أحكام عقودها، وضعف تحصيل بعض إيرادات الخزانة العامة ومستحقاتها، وعدم تقيد عدد من الأجهزة الحكومية بالأنظمة المالية وتعليمات تنفيذ الموازنة العامة، وإعداد الحسابات الختامية ورفعها في المواعيد المقررة لذلك. وقال الاقتصادي نظير العبدالله: «إن الآثار لهذا النمط من الاختلال لا يؤثر فقط في الأداء الحكومي في الجانب التنفيذي لعمليات الصرف، وإنما يتعداها إلى مختلف عمليات التنمية المتعددة وفي مقدمها التنمية الاقتصادية، والاجتماعية». وأضاف أن: «ديوان المراقبة العامة يحتاج إلى أن يواصل عمله بالطموح والشفافية نفسهما وأن يقوم بنشر تقريره في الإعلام، أو أن يتم طرحه ضمن الوثائق الحكومية المعلنة التي من حق المواطن أن يطلع عليها، لأنها ستشكل عوناً لها في ردع التجاوزات التي تحدث، وسيجد من المواطن خير عون له في أداء عمله». وأشار إلى أن النقاط التي تحدث عنها التقرير والخاصة بالتراخي في أداء المشاريع، هي من النقاط الحساسة التي تؤدي إلى تأخر التنمية، وبخاصة إذا كانت تتعلق بالبنية التحتية، أو المرتبطة بالتنمية البشرية، لأن ضررها يتعدى الجوانب المادية إلى الجوانب الإنسانية، لذلك من الصائب أن يكون العقاب فيه أشد صرامة. من جهته، قال استاذ المحاسبة الدكتور محمد الحسن: «إن مواصلة مسيرة الإصلاح في الميادين كافة بحاجة إلى هذا النمط من التقارير رفيعة المستوى، لأنها تهدف إلى الارتقاء بأداء الأجهزة الحكومية وزيادة فعالياتها وترسيخ قيم الأمانة والنزاهة والإخلاص في القول والعمل، وهي المفردات الضرورية لتقدم أية أمة». وأوضح أن الحرص على تنفيذ التوجيهات السامية التي أعطيت إلى ديوان المراقبة العامة، والنهوض بالمهام الرقابية بكل حيدة وموضوعية، والإسهام الفاعل في ترجمة المضامين الجوهرية لسياسة الإصلاح المالي والإداري، إلى برنامج عمل واقعي، تتطلب من العاملين في الديوان الانحياز إلى العدل، والحياد، وتقديم مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، وهذا يضع الديوان والعاملين فيه أمام تحديات جسيمة لمواجهة الفساد والقضاء عليه. وتابع الحسن قائلاً: «المطلوب بعد التأييد الملكي للديوان بالمضي قدماً في عمله بكل حرية، أن يواصل تنفيذ خططه الرامية إلى تطبيق مفهوم الرقابة الشاملة في جميع الأجهزة الحكومية والمؤسسات والشركات المشمولة برقابته من دون استثناء، بهدف إحكام الرقابة على أموال الدولة وأداء أجهزتها وترشيد إنفاقها، والتحقق من حسن استخدام المال العام بأساليب اقتصادية تكفل بلوغ الأهداف المرسومة وتعظيم مردود الإنفاق على الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة في جميع مناطق المملكة وتلبية حاجات المواطن السعودي أينما وجد». وبيّن أن الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم، والتي كشفت عن كم هائل من الفساد في الأنظمة المالية والاقتصادية العالمية، يدفعنا إلى أخذ أقصى حالات الحذر، وأن نبادر بحملات متوالية لمراقبة ومحاسبة المقصرين الذين يعطلون عجلة التنمية في بلادنا، أو الذين يحدثون الضرر بمستقبل الأمة.