ماذا يعني أن تُحاصرك سيارة داخلها عدد من الرجال لا تعرف من هم ولا لأية جهة ينتمون؟ وماذا يعني أن يجبروك على فتح نافذة سيارتك ونافذة من تجلس بجوارك؟ وماذا يعني أن ينظر إليك المارة والمتجمهرون كمجرم؟ وماذا يعني أن تتعطل مصالحك ثلاث ساعات كاملة، وتغيب عن عملك أو عن موعد مهم، وتظل تبحث عن دليل براءتك أمامهم، وتلعن نفسك ألف مرة ومرة، لأنك لم تتخذ كل الاحترازات، ولم تحضر كل الشهادات والوثائق، التي تثبت أن من تركب بجانبك هي بمقام والدتك وهي والدة زوجتك وليست امرأة أجنبية؟ ماذا يعني أن تخاف، وأن توصم بوصمة لم تخطر لك على بال؟ ماذا يعني أن تظل تفكر في المجهول؟ ماذا يعني أن تظل تفكر وتستعيذ من الشيطان ألف مليون مرة، لكي لا تهرب من بين شفاهك كلمة تعبّر عن غضب وحيرة واستغراب ودهشة؟ ماذا يعني أن يقول لك أحدهم الله فكك من بين أيدينا؟ ماذا تعني هذه الكلمة وهذا اللفظ المبهم في هذه اللحظة بل هذه اللقطة بالتحديد؟ هل تعني أن حياتك وسمعتك وكرامتك وكبرياءك بأيادي أشخاص لديهم صلاحيات غير محددة، وأن الله أنقذك بقدرته من بين أيديهم؟ هل تعني فكك الله التشفي؟ أم الغيظ؟ أم الرحمة؟ أم القوة؟ أم ماذا؟ ماذا يعني أن تُحاصرك سيارات وأشخاص، أحدهم يضع قدميه بجانب قدم امرأتك أو أختك أو أمك، حتى لا تهرب المتهمة من مقعدها؟ ماذا يعني أن يمسك البعض بالرجل المتهم كالذي حدث مع المذيع السعودي، الذي كان مع زوجته وفي سيارته، بعدما شعرت بإعياء بعد رحلتهما في مهرجان الجنادرية والذي حُوصر بالأسئلة، لتنتهي الرحلة الأليمة باتهامه بتقبيل الزوجة في موقف عام، بعدما أثبت للجميع أنها زوجته، على رغم أن هذه التهمة سبق أن اتهم بها مواطن قبل أعوام عدة، حضر ليأخذ زوجته من السوق التجارية، وضُرب ومُزقت ملابسه، وزُف زفاً إلى السيارة، واتهم أخيراً بأنه كان يضع يديه عليها، وأنه كان يهم بتقبيلها؟ ماذا يعني أن تكون عريساً وتصطحب عروسك ووالدتها، لتشتري فطوراً مثل بقية سكان هذا العالم، وتنزل من سيارتك وأنت ترتدي بنطلوناً عادياً، وتتهم بأنه لباس يكشف عورتك، ولا يليق بمجتمع مدينة رسول الله، على رغم أنه بعيد عن مواصفات البنطلون الممنوع «طيحني» وغيره، والذي ربما لم يصل لعيون من اتهموك بارتدائه؟ ماذا يعني أن تضيق عليك الدنيا بما رحبت، وتجد نفسك مرغماً ومجبراً على إلقاء نفسك من الدور الثاني أو الثالث، ولا تحسب حساباً لروحك ولا لجسدك، الذي قد لا يسلم من الكسور، لأنك خائف وقلق ومضطرب، لأن بلاغ ما ذهب إليهم وأتوا مسرعين قبل أن يرتد إليك طرفك حفاظاً على الفضيلة والشرف؟ ولأنهم حريصون عليك قاموا بأنفسهم بطلب سيارات الإسعاف، ولم يتركوك إلا بعدما اطمأنوا عليك وهدأوا من روعك؟ ثم تقرأ في الصحف في اليوم الثاني، أنك قمت بإلقاء نفسك قبل أن يصلوا إليك، وقبل أن يروعوك وقبل أن يتهموك وقبل أن يشاهدوك، و(يا لك من مفترٍ)! أبو سعود توفي قبل سنوات عدة أثناء التحقيق معه، لأنه صُدم من التهمة التي ألصقت به، ولم يحتمل مواجهة الناس بعدها، بعدما اتهم بأنه كان يتحدث مع سيدة خمسينية في الشارع، وكتبت عندها مقالاً باسم «لم يكن في خلوة»، وبعد حادثة دخول أحد رجال الهيئة مشغلاً نسائياً خالصاً كتبت مقال «جرجرة»، لأن الرجل دخل مشغلاً نسائياً خالصاً، «ليجرجر» الفتاة المتهمة بالخلوة من شعرها أمام السيدات، وغصب عن حارس الأمن، واليوم وبعد استمرار الوضع وحادثة عريس الملز، وما حصل معه ومع إخوته الثلاث، والذي ذهب إلى حفلة زفافه مضروباً وغاضباً كما نحن الآن، نعم نحن غاضبون، وأعلم أن هناك من يردّد ببساطة ماذا تعني كلمة غاضبين؟ ولماذا نطالب بالتعويض والاعتذار، على رغم أنها لا تساوي لحظة هلع واحدة عاشها كل هؤلاء؟ من دون داع أكتب مقالي هذا وأنا أستمع بغضب شديد إلى أغنية جميلة أحبها (لا تكذبي)، وأعيد جملتي الوحيدة التي لا أعرف غيرها، نريدكم أن تدعوا إلى المعروف بالمعروف وتنكروا المنكر من دون خسائر في الأرواح وفي الكرامة التي لا نملك غيرها. [email protected]