الإسكندرية (مصر) - رويترز - أجمع خبراء في المياه والبيئة، يتقدمهم خبراء في الأممالمتحدة على أن شعوب العالم العربي في حاجة إلى معلومات أكثر اكتمالاً وأكثر حرية عن تقلص إمدادات المياه، لكن الحكومات تحجبها خوفاً من أن يثير نشرها اضطراباً. وتخوفوا من أن يزداد التلوّث البيئي في العالم العربي، وأخذوا في الاعتبار الكوارث التي قد تتسبب بها الفيضانات أو ارتفاع مياه البحار. تحدث هؤلاء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي عقد في الإسكندرية الأربعاء والخميس الماضيين. وتشكل الأراضي الصالحة للزراعة 4.2 في المئة فقط من إجمالي مساحة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويُتوقع أن تتقلص أكثر بسبب التغير المناخي. ويخشى محللون أن يشكل الأمر مصدراً محتملاً لعدم الاستقرار السياسي في منطقة أشعل فيها الحرمان الاقتصادي صراعات أحياناً. وقال مدير البرنامج الإقليمي للإدارة الرشيدة للمياه في الدول العربية التابع لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي حسني الخردجي: «لا تكشف الدول العربية معلومات كافية عما تختزن من مياه لخوفها من أن تؤدي الشفافية إلى قلق عام واضطراب لا لزوم لهما». وأضاف الخردجي الذي كان يتحدث في حلقة نقاش عقدها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي حول القضايا البيئية العربية في الإسكندرية، أنه قد ينظر إلى الإعلان عن ندرة المياه في العالم العربي، على أنه تعبير عن سوء الإدارة من قبل الدول العربية ومن ثم يجرى تجنب ذلك في شكل عام. وربط تحسن الإدارة بمشاركة الجمهور في التخطيط ما يحسن المشاركة ويزيد الإنصاف. واستطرد: «لا تتوقعوا مساءلة من دون ديموقراطية حقيقية وانتخابات حرة». ويشير تقرير التنمية البشرية العربية الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، إلى أن الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحصلون على ألف متر مكعب فقط من المياه في المتوسط سنوياً، أقل بسبع مرات عن المعدل العالمي. ويوجد تقدير بأن يتقلص المتوسط إلى 460 متراً مكعباً فقط في عام 2050 نتيجة لتأثير التغير المناخي ونمو السكان بمعدل يوازي ضعف المتوسط العالمي تقريباً. ويشكل تنسيق سياسات المياه تحدياً في منطقة كثيراً ما ينظر فيها إلى السياسات المائية كمسألة لا تعرف الحلول الوسط ويمكن أن تستخدم كورقة ضغط في الصراعات السياسية الأكبر. وقال الخبير السابق في البيئة في البنك الدولي إسماعيل سراج الدين: «إذا غابت نقطة المياه ولقمة العيش، تكون هذه قضية سياسية بالطبع». وأضاف تقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي إن ارتفاعاً في الحرارة بين درجة مئوية واحدة و1.5 درجة في السودان في الفترة من 2030 إلى 2060 يقلص إنتاج الذرة 70 في المئة. وقد تتكرر هذه السيناريوات في مناطق أخرى في المنطقة. وتستهلك الزراعة أكثر من 85 في المئة من المياه في المنطقة. وبتقلص المياه يستحيل على المزارعين الفقراء كسب عيشهم ما يدفعهم للانتقال إلى المدن المكتظة. وأدى الجفاف في سوريا إلى نزوح مئات الألوف. ووجد تقرير للأمم المتحدة صدر في أيلول (سبتمبر) الماضي أن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ أدت إلى نزوح 20 مليوناً في 2009 يوازون أربعة أمثال النازحين بسبب حروب. وقال المدير العام للتخطيط في وزارة المياه والبيئة في اليمن علي عطروس، إن أعداداً أكبر من الناس في اليمن سيتركون قراهم بسبب ندرة المياه ولاعتبارات بيئية. وأضاف إن اليمن إحدى دول المنطقة التي تشكو من نقص شديد في المياه، ويقل متوسط ما يحصل عليه الفرد منها بسبعة أمثال المتوسط في أوروبا. وطالب الخبراء بتحرك سريع للتعامل مع هذه المشكلة الملحة. وقال سفير العراق الدائم لدى وكالات الأممالمتحدة في روما حسن الجنابي: «المياه عامل أمني. إذا لم يكن لدى الناس مياه للشرب أو لاستخدامها في إنتاج الغذاء سيشكل تهديداً للأمن القومي». انبعاثات الكربون والطاقة المتجدّدة ورجّح خبراء في المؤتمر، أن تكون الدول العربية من بين الدول الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية، ولا تبذل جهوداً كافية للترويج لاستخدام الطاقة المتجددة. وذكر تقرير للأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية، أن انبعاث ثاني أكسيد الكربون في المنطقة يتزايد بمعدل من بين الأسرع في العالم، وتضاعف تقريباً بين 1990 و 2003 . وقال مشاركون في المؤتمر إن الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر أكبر ثلاث دول في العالم من حيث نصيب الفرد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. ويشكك خبراء المناخ في الحاجة العاجلة لتبني مشروعات للطاقة المتجددة في منطقة ممتلئة بالنفط. وقالت أستاذة الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت مي جردي لوكالة «رويترز» على هامش المؤتمر: «انهم يقولون باستمرار، نحتاج إلى مزيد من البحوث. لماذا نحتاج إلى تشخيص إضافي إذا كان المريض يموت» ؟ وتواجه مدينة الإسكندرية التي تطل على البحر المتوسط، وسكانها أربعة ملايين نسمة، خطر الغرق. ويقول المنتدى العربي للبيئة والتنمية إن ارتفاع منسوب مياه البحر يحمل أخطار حذف ستة في المئة من الناتج المحلي لمصر بينما تبين دراسات للأمم المتحدة أن غمر مياه الفيضان 4500 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في دلتا النيل، تبلغ تكاليفه 35 بليون دولار. وتعتبر المنطقة صالحة للاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حيث توجد مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية وتتوافر أشعة الشمس بقدر كبير. وقال مولدي ميليد الذي يشرف على تنفيذ خطة تتكلف 400 بليون يورو (540 بليون دولار) لإنارة أوروبا من طاقة شمسية مستمدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «إنقاذ كوكب الأرض يصبح أكبر قضية تواجهنا». وأضاف « قد تكسب أوروبا 10 إلى 15 سنة في المعركة ضد التغير المناخي من خلال استيراد 17 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتخطط مصر لتلبية 20 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020. وتزمع شركة «مصدر» الإماراتية للطاقة المتجددة استثمار 15 بليون دولار في مشروعات الطاقة المتجددة بما فيها مدينة خالية من الكربون في أبوظبي. وقال المشاركون في المؤتمر، إن استخدام التكنولوجيا الخضراء في المنطقة على نطاق أكبر يقلل من تكاليف الاستثمارات. وأفاد خبير التغير المناخي عزت عبد الحميد بأن نشر هذه التكنولوجيا يخفض تكلفتها نهاية الأمر إذا تحولت إلى سوق تنافسية.