لم يساعد البرد القارس الذي خيّم على القدسالمحتلة أمس، في تخفيف وطأة معاناة المقدسيين في البلدة القديمة من الوضع الأمني عموماً، والوضع الاقتصادي خصوصاً، فيما يشكو أصحاب المحال التجارية والأكشاك من قلة المرتادين لمحلاتهم منذ شهرين، سواء من المقدسيين أنفسهم، أو عرب الداخل، أو السياح الأجانب. الأجواء ليست باردة فقط، إنما مشوبة بتوتر غير خفي ينعكس في كل مكان في نظرات عناصر الأمن الإسرائيلي المنتشرين في كل زاوية. وعلى رغم تراجع عدد الهجمات بالسكاكين في الأسابيع الأخيرة، ما زالت الأوضاع في القدس غير عادية، والخوف كما يؤكد كثر ممن تحدّثت إليهم «الحياة»، ليس من نصيب اليهود فقط، إنما أيضاً الفلسطينيين الذين يخشون أن يقعوا ضحية «الاشتباه بهم مخربين»، فيتعرضون للرصاص القاتل من المشتبِه، وهو «الشاهد» الوحيد على ادعائه بأن المشتبَه به حاول طعنه أو زميله بالسكين. وقال ابراهيم، حارس السيارات في موقف قرب «باب العامود»: «أنت محظوظ لأن تجد مكاناً لركون سيارتك، لو أننا في وضع عادي لما كان الأمر ممكناً، بل لكنتَ وجدت سيارات راكنة في المدخل»، مضيفاً أن عدد الوافدين إلى البلدة القديمة تراجع إلى الرُبع وأكثر منذ شهرين. أما زياد بائع «الكعك بسمسم»، فينصح بقطع الشارع عبر خط المشاة «لأن أولاد الحرام، الشرطة والجيش، يتربصون بكل من يقطعه من مكان آخر، للانتقام منه». وخلا الدرج المؤدي إلى مدخل باب العامود الذي يعج عادة بعشرات الباعة ومئات الزبائن، من الضجيج لأن الباعة ممنوعون في هذه الأيام من استخدام الدرج «أكشاكاً» متنقلة، بل وقف مكانهم أفراد من الشرطة الإسرائيلية و «حرس الحدود» يراقبون ويترقبون، وهم الذين قتلوا الأربعاء الماضي، فلسطينياً قالوا إنه حاول طعن أحدهم بالسكاكين. وداخل الباب أيضاً، اتخذ عنصران منهم موقعاً لهما، فيما آخرون يتجولون في الأزقة الضيقة. وقال صاحب أحد المحال التجارية الذي وقف، كما معظم أترابه، عند باب محلّه لبيع الملابس الرجالية داخل باب العامود ينادي المارة بالدخول وشراء بضاعته: «لا هذا السبت عادي ولا اللي قبله... من شهرين الوضع على هذه الحال... لكن الله بعين». أما آخرون، فأطلقوا تسجيلات صوتية تحاول إقناع المارة بشراء بضائعهم التي خفّضوا أسعارها إلى النصف، كما فعل بائع الحلويات منادياً: «أربع حبات شوكولاتة محشية بعشرة شواقل (دولاران ونصف الدولار)». وبابتسامة عريضة، استقبل صاحب محل ألبسة زوجين من فلسطينيي الشمال، اللذين أقرا بأنهما ترددا طويلاً في المجيء إلى القدس «التي نعشقها»، مشيرين إلى أن أصدقاءهما رفضوا الانضمام إليهما خوفاً على حياتهم. وفي الطريق إلى كنيسة القيامة التي يرتادها عادةً آلاف السياح يومياً، لم يكن سوى بضع عشرات منهم من الهند يرافقهم من بعد شرطيان. وفي مدخل الكنيسة وداخلها، لم يتعدّ عدد السياح مئة سائح، علماً أن هذا الشهر هو أحد أشهر السياحة المكثفة للقدس وبيت لحم، خصوصاً مع اقتراب عيد الميلاد المجيد لدى المسيحيين. وعلّق تاجر القماش الحاج أبو يوسف وهو يحتسي كأس شاي ليدفئ قلبه وجسده: «مررنا بفترات عصيبة كهذه... في كل الأحوال الحمد الله، والله هو المعين».