عقدت «جمعية أورام المرأة» مؤتمراً في القاهرة أخيراً حول أورام الثدي بمشاركة 120 خبيراً و1300 طبيب، من دول مختلفة، ناقشوا 86 بحثاً على مدى 30 جلسة. وقال المقرر العام للمؤتمر الدكتور هشام الغزالي ان صفوف المشاركين ضمّت نخبة من أطباء الأورام، في مقدمهم رئيسة «الجمعية الأوروبية لعلاج الأورام» مارتين بيكار. والحق أن بيكار ألقت محاضرة حول الخطوط الإرشادية لعلاج أورام الثدي لعام 2010 التي أقرّتها الجمعيتان الأميركية والأوروبية لعلاج الأورام. وتتناول هذه الخطوط مواضيع مثل علاج أورام الثدي الأولية واعتماد العلاج الجيني كخط أول لمدة عام مع العلاج الكيماوي الذي يقلّل احتمال معاودة ظهور الورم بمعدل 80 في المئة، خلال ال5 سنوات التي تلي العلاج. وكذلك أقرّت تلك الخطوط استخدام الجيل الثاني من العلاج الهرموني كجزء من علاج الإناث اللواتي تفوق أعمارهن 45 سنة، والبدء في استخدام الجيل الثاني من مثبطات الجين «هير2» her2، في بعض حالات أورام الثدي. وكذلك تضمّنت الخطوط عينها إرشادات دقيقة عن استخدام العلاج البيولوجي الموجّه في بعض الحالات التي تصل فيها الأورام الثانوية (التي تتولّد من الورم الرئيسي) إلى الدماغ، ذلك أنه يعطي نِسب استجابة عالية. وأضاف الغزالي: «لقد انطلقت دراسات حديثة عن الجيل الجديد من العلاج المُوَجّه الذي يمكن الاعتماد عليه كخط دفاع أول في علاج الإناث اللاتي يعانين من نوع خاص من سرطان الثدي، يحمل اسم «ثلاثي السلبية». وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة جويس أوشوبسي من «مركز بايلور سامونس للأورام» في دالاس - الولاياتالمتحدة أن العلاج المُوجّه الجديد يزيد معدل بقاء المريضة على قيد الحياة، لأنه يوقف تقدم الخلايا السرطانية من الثدي نحو الرئتين والدماغ. البُعد النفسي للأورام في المؤتمر عينه، تحدث رئيس «الجمعية العالمية للطب النفسي» الدكتور أحمد عكاشة، عن ضرورة الاهتمام بالجانب النفسي في علاج الإصابة بسرطان الثدي. وذكر عُكاشة أن 80 في المئة من مسببات الورم الخبيث تعود إلى عوامل نفسية واجتماعية. وأشار إلى أن هذا المرض يصاحبه اكتئاب، ويعود ذلك إلى أسباب أهمها الصدمة النفسية التي يتعرض لها المريض عندما يعرف أنه مصاب بمرض السرطان، والخوف من اللجوء إلى استئصال الثدي مع ما يترتب عليه من تشوّه جسدي، واستعمال العلاجين الكيماوي والإشعاعي، وكلاهما يترك أثراً اكتئابياً على المريض، إضافة الى مجموعة من الأسباب الأخرى التي تشمل صعوبة تكيّف الزوجة في حياتها عائلياً واجتماعياً بعد التعرّض لتلك المحنة. وللتكيّف مع المرض، ينصح عكاشة بالتعامل مع الإصابة بالسرطان بشفافية كاملة، إذ لا يجب إخفاؤها ولا توليد مشاعر سلبية تجاهها، ولا التردد في قبول المساندة الاجتماعية. وشارك في المؤتمر عينه رئيس «الجمعية الأوروبية لجراحة تجميل الثدي» الدكتور جان بيتيه، بمحاضرة عن الطرق الجديدة لبناء الثدي بعد استئصاله، وكذلك طُرُق الحفاظ على الحَلَمَة وأيضاً كيفية بنائها خصوصاً عند الاستئصال الجذري للثدي. وأوضح بيتيه فوائد الاكتشاف المُبكّر لسرطان الثدي، ومنها أنه يبعد إمكان إجراء إزالة كاملة للثدي، واستبدال ذلك باستئصال الورم موضعياً. وبعد الاستئصال، يأتي دور جراح التجميل الذي يتمكن بسهولة من إعادة تأهيل الثدي الذي يعود إلى طبيعته تماماً. وتحدث عن أحدث الطرق في جراحة التجميل لإعادة تأهيل الثدي عند الاكتشاف المبكر، التي تتضمن إجراء شفط الدهون من أماكن محددة في الجسم، ثم إعادة حقنه في مكان الورم المستأصل. وبيّن بيتيه أن هذه الطريقة لا تترك جرحاً بعد العملية، كما لا يعتبر النسيج الذي يحل محل الورم، جسماً غريباً فلا تترتب عليه أية مضاعفات، كما يستطيع جرّاح التجميل إعادة الشكل الطبيعي تماماً للثدي، ما يؤثر إيجاباً في الحال النفسية للمريضات. مشكلة العنوسة عربياً وقدّم الدكتور الغزالي بحثاً تناول العلاجين المُوَجّه والكيماوي، واستعمالهما لتصغير حجم الورم في الثدي قبل العمليات الجراحية، مُلاحظاً أن السيدات اللواتي تحدث لهم استجابة كاملة، ترتفع لديهن معدلات الشفاء إلى ما يقرب المئة في المئة. وشاركت في المؤتمر أيضاً رئيسة قسم الأورام في مستشفى الحرس الوطني السعودي الدكتورة أم الخير أبو الخير التي ترأست جلسة عن كيفية علاج أورام الثدي أثناء الحمل، كما تحدثت عن استخدام العلاج الهرموني في هذه الحالات. وكذلك شاركت في جلسة نقاش حول استخدام عقار ال «انثراسايكلين» anthracyclin في علاج أورام الثدي الأولية كخط أول للعلاج، في مقابل استخدام عائلة الأدوية المعروفة باسم «تكسينز» taxenes لتقليل مخاطر إصابة القلب وظهور لوكيميا الدم التي تحدث بنسبة ضئيلة مع استخدام العقار الأول. وخلصت هذه الجلسة إلى التوصية باستمرار استخدام عقار ال «انثراسايكلين» لعدم تأكيد الدوريات العلمية استخدام العقار الثاني، إلا في بعض حالات المرض عند كبار السن. وشارك لبنان عبر رئيس «الجمعية اللبنانية لعلاج الأورام» الدكتور ناجى الصغير. وتحدث في إحدى الجلسات عن أهمية التثقيف الصحي للسيدات حول سرطان الثدي، مُلاحظاً ان ارتفاع معدل العنوسة في البلاد العربية، كما حال السمنة، يزيد من فرص إصابة المرأة العربية بسرطان الثدي، في حين أن الزواج المبكر والإنجاب والرضاعة الطبيعية حتى قبل سن العشرين تحمى السيدة من سرطان الثدي. وقال الصغير: «هذه ليست دعوة الى الزواج قبل سن العشرين، ولكن لا بد من أن نؤكد أهمية عدم تأخير سن الزواج، أو تأخير الإنجاب وأهمية الرضاعة الطبيعية لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر، فذلك يحمي المرأة في كثير من الأحيان من سرطان الثدي». وشارك في المؤتمر عينه رئيس «جمعية الأورام الأردنية» الدكتور سامي الخطيب، الذي يتولى أيضاً منصب أمين عام «رابطة الأطباء العرب لمكافحة السرطان». وقال: «في معظم الدول العربية تتوافر الكفاءات الطبية المتميزة، والمراكز المتخصصة في علاج الأورام بإمكاناتها العلاجية، سواء في الأدوية أم الأجهزة، ولكن هناك حقيقة يجب أن نذكرها وهي أن النتائج التي نحصل عليها ليست مشابهة للنتائج التي نحصل عليها ونحن في الغرب. يرجع السبب في ذلك إلى وجود عنصري الوعي الثقافي والاكتشاف المبكر للإصابة بالسرطان لدى المواطن الغربي، ما يمكنه من الحصول على نتائج أفضل في العلاج، بعكس المواطن العربي الذي لا يوجد عنده الوعي بالمقدار نفسه، وبالتالي يأتي اكتشافه الإصابة بالسرطان متأخراً. ثمة دراسات بيّنت وجود مشاكل أخرى عربياً مثل عدم وجود الدراسات والبحوث اللازمة لمعرفة الخريطة الجينية للمواطن العربي، التي تعطي الأساس الذي يمكن الارتكاز إليه في تطبيق مبدأ أساسي في العلاج الحديث وهو أن تُعطى العلاجات المتخصصة لكل مريض بحسب تركيبته الجينية». ورأى الخطيب أيضاً أن الغذاء والتدخين من أهم أسباب الإصابة بالسرطان، مُشيراً إلى أن نوعية الغذاء مسؤولة عن 40 في المئة من حجم الإصابات، والتدخين مسؤول عن 30 في المئة منها. وأكد الخطيب أن سرطان الثدي يصيب المرأة العربية في عمر يقلّ بعشر سنوات عن المرأة في الغرب. وكذلك لاحظ عدم وجود تعاون عربي في مجال علاج الأورام، بل غياب التعاون عن أعمال المراكز المختلفة التي تتعامل مع السرطان في البلد الواحد.