يبدو أن الجميع متفق على أن الحب أعمى، ولم يتفقوا هل هذا العمى يشكل إعاقة بصرية فقط، أم انه يشمل البصيرة أحياناً، فتكون الإعاقة أعمق وأشدَّ وطأةً. ويقولون المحب لا يسمع في حبيبه، أو كما نقول في المحكية السعودية: « ما يسمع فيه»، أي يمكننا القول إن الحب كذلك أصم أو « أصمخ» ، وإذا استمرت الحال على هذا المنوال في تصوير قدرات الحب المقصود بها تعظيم مقداره سيتحول إلى «حادث» ، فالعمى والصمم ، يمكن أن يضاف إليهما «عوار القلب»، وأشياء كثيرة أخرى. هل لاحظتم أن المخزون اللغوي يتحدث عن الحب في الأمثال والتشبيهات والتبريرات بلغة سلبية كالأمثلة أعلاه، ويمكن الإضافة عليها الجملة الأشهر على جدران الحارات في معظم البلدان العربية وهي «الحب عذاب»، بالتأكيد لاحظتم، كما فعل شاعر جميل لاحظ ذلك وكتب: «كنا صغار/ونكتب على ذاك الجدار/الحب عذب/وننسى الألف/والمعنى جدا مختلف»، وإقراره بنسيان الألف ترسيخ، لأن الأصل في الحب هو العذاب واللوعة، وأخيراً «المياعة» أو «المياصة» كما يقول الأخوة المصريون. إذا كانت كل هذه العلل في الحب... فلماذا يقع الناس فيه، أو يقعون في هذا النوع بالذات منه؟ أليس حب الفرس والنهر والبراري والصيد قديما كان «أصرف»، وحب السيارات و«التشيز كيك» وممشى «عين المريسة» على الشاطئ البيروتي حديثاً أفضل؟ لماذا وجع الدماغ، وخسارة الأوراق والأقلام قديماً ورصيد رسائل الجوال أو سعة البريد الإلكتروني حديثاً في الحديث عن أعمى أصم يعذب الناس؟ تعرفون قصة مختلقة خلاصتها «يمضي الحب أعمى يقوده الجنون»، والتي فقأ فيها الجنون عيني الحب، وهو مختبئ بين الورد في لعبة «استغماية» شارك فيها الكسل والرقة والكذب، ولاحظوا التوليفة التي تشبه الإجماع العربي على القضايا الاقتصادية المشتركة. ولأننا نعيش عصور التغيير في الإنتاج التلفزيوني العربي الذي توحد في الزي و«المكياج» النسائي، والانفتاح على جميع مطاعم الوجبات السريعة وأمراضها، والاندماج في كل الأمراض الإلكترونية الناتجة من تقنيات صنعت لأغراض معينة ونجحنا في «تطويعها» لأغراضنا، من أجل كل ذلك تجب إعادة تعريف العمى والصمم والعذاب في الحب، لا لشيء له علاقة بالرومانسية التي يرثيها الجميع، أو بخفض نسب الطلاق والعنوسة التي تناساها حتى علماء الاجتماع مع انشغالهم بتحديد مواقعهم ومهامهم في المباني الجامعية الجديدة. العلاقة الوحيدة هي لفتح جسور الحوار، مع صديقي «العربجي» الذي قلت له يوماً: «الحب في الأرض بعض من تخيلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه» فأجابني بكلمة واحدة: «حمد الله رب العالمين» وحرك سبابته بين شفتيه وجبينه. [email protected]