كنت في الرياض لحضور مهرجان الجنادرية وهاتفتني زميلة قالت إنها تعرف ما يجمعني بالدكتور غازي القصيبي من صداقة ومودة وتأسف أن تنقل الأخبار السيئة، ولكن الديوان الملكي أصدر بياناً يعلن وفاة الوزير السفير الشاعر. وهتفت «يا ألله» وكان الى جانبي الزميل غسان شربل، وسألني ما حدث فقلت له ما سمعت. لم تمضِ دقائق حتى كنت أتلقى «تِكستْ» من الزميلة تقول إن خبر النعي الذي رددته مواقع الإنترنت نُفي رسمياً. واتصلت بوزير الثقافة والإعلام أخينا الدكتور عبدالعزيز خوجة، وهو أكد لي كذب الخبر، وأبدى حزنه إزاء نفوس مريضة تتلهى بحياة الناس، وتمنى لصديقنا المشترك الشفاء. وعدت الى لندن ووجدت انني تلقيت عبر الفاكس من الدكتور غازي القصيبي الرسالة التالية: عزيزي جهاد، ما تعلمناه منك هنا فوق ما استحق ودون فضلك. وهذه العبارة تنطبق على ما تفضلت بتحبيره عن أخيك المشتاق. سقى الله أيام لندن ولياليها. حفظك الله لمن تحب. أخوك مع أطيب التمنيات، غازي القصيبي، روتشستر، منيسوتا. أكاد أجزم، وقد سمع الدكتور غازي بالخبر كما سمعنا به، إنه ردد مع المتنبي (بعد أن سمع وهو في مصر أن هناك من نعاه في مجلس سيف الدولة) قوله: كم قد نعيت وكم قد متّ عندكم/ ثم انتفضت فزال القبر والكفن. بانتظار عودة الصديق الغائب سليماً معافى أقول له إنني تلقيت عشرات الرسائل رداً على الحلقات التي كتبتها عنه كلها تفيض حباً وإعجاباً به وقلقاً عليه، مع رسالة واحدة تنتقد، فهناك دائماً رأي مخالف ولو قلنا «بسم الله». «الحياة» نشرت كثيراً مما تلقينا من رسائل وقد رددت على قراء آخرين بشكل مباشر، كما أرسلت الى الدكتور غازي رسالة من شاعر شاب معجب يحكي كيف رد عليه الوزير بسرعة بعد أن أرسل إليه دراسة عن أيام الجامعة من دون أن يكون يعرفه. والرسالة التي وقعها «عبدالرحمن» تضم معارضته قصيدة غازي القصيبي، وقد بلغ السبعين، ومطلعها (قصيدة الرد): ماذا تريد من السبعين يا رجلُ/ لا أنت أنت ولا أيامك الأولُ جاءتك حاسرة الأنياب كالحة/ كأنما هي وجه سلّه الأجل. وتلقيت من الصديق العماد أول مصطفى طلاس، نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع السوري السابق، شعراً بدأه بقصة محاولة سرقة ساعتي «الرولكس» في لندن، وتعليق الدكتور غازي الساخر وتشكيكه في بطولتي، أختار منها: أبرقتَ... لكن لا غمامٌ يهطلُ/ وأثرتَ «غازي» بالذي تتقوَّلُ وزعمتَ أنَّك قد هزمتَ عصابة/ وبزندكَ «الروليكس» راحت ترفلُ وأدرتَ «بالكرتيه» حرباً مُرَّةً/ وبنصركَ المزعومِ فُضَّ المُشكِلُ * * * لو واجهتْكَ أمام بيتِكَ نملةٌ/ لاحترتَ من أيِّ النوافذِ تدخلُ لو عارضتْكَ على الطريقِ حمامة/ لرأتْكَ من هولِ اللِّقاءِ تولولُ بالغتَ في وصفِ العراكِ وربما/ أعطاكَ «غازي» بعضَ ما تستأهلُ. ويكمل أبو فراس مخاطباً أبا سهيل: «غازي» وحقِّ الشعر أنت «وليده»/ و «لبيدُه» و «جريره» و «الأخطلُ» ولأنتَ فارسُ ساحهِ وأميرهُ/ وله بمعجمِكََ المقامُ الأولُ ملك البيان إذا وصفتَ فساحرٌ/ عجبٌ... وأعجبُ عندما تتغزَّلُ ولأنتَ مثلُ «نزار» تعشقُ صادقاً/ إنَّ الغرامَ عبادةٌ وتبتُّلُ وعلى يديك سما البيان وحلّقتْ/ لغةٌ... وعشقُ الآخرينَ تطفُّلُ يا شاعرَ الشعراءِ قلبكَ عامرٌ/ بالحب... وهو لكل حسنٍ منزلُ يا شاعرَ الشعراء في العصر الذي/ غاض الغديرُ به... وجفَّ الجدولُ هي وعكةٌ وتمرُّ... لكن بعدَها/ سيعودُ للأغصانِ ذاك البلبلُ وتعودُ تبسطُ في الفضاء جوانحاً/ عن تيهها شُهُب المجرَّةِ تسألُ وتعودُ تنثرُ في النديِّ جواهراً/ ويعودُ يسكرُ بالنشيدِ الجحفلُ «غازي» رجوتُ لك الشِّفاءَ معجّلاً/ وهواكَ عندي فوقَ ما تتخيَّلُ هي وعكةٌ وأظنُّ كانت غمزةً/ ورماكَ بالنظرات طرفٌ أكحلُ والشاعرُ العملاقُ يخفقُ قلبُه/ حين الحمامةُ من بعيدٍ تهدلُ. [email protected]