قرار سياسي وثقافي روسي - فرنسي مشترك جعل من العام 2010 عام التبادل الفني بين الثقافتين. هو تبادل عريق يذكّر بتمايز نكهة الثقافة الروسية منذ ما قبل الثورة البلشفية (1917) وما بعد تفتت الهيكل السوفياتي والعولمة الراهنة. يحضر في البداية عمالقة بمستوى المصوّر المخضرم ريبين والمخرج السينمائي أزنشتاين والروائي ديستويفسكي والموسيقي تشايكوفسكي ووصول تقاليد رقص الباليه الروسي Lن طريق فرقة دياغيليف ثم بولشوي، قبل أن يطوّر تقاليدها الفرنسي موريس بيجار بالتعاون مع استرافنسكي. تتمثل أول مبادرة في برنامج موسم هذا التبادل من خلال إنعاش عروض متحف الفنان الفرنسي هنري ماتيس في بطرسبورغ، وانعاش عروض المجموعات الفرنسية الخاصة برائد التجريد الغنائي في باريس الروسي واسيلي كاندينسكي منذ بداية القرن العشرين. ثم مقابلة الفكر التكعيبي الباريسي (بيكاسو وبراك) في الفترة نفسها مع التيار الإشعاعي في موسكو (لاريونوف). والمقابلة الهندسية بين تصعيدية مالفتش (موسكو) وبصريات (وهم السينيتيك) فازاريللي (باريس). إذا ذهبنا أبعد من ذلك لاحظنا تأثير موسيقى موسورسكي («لوحات في معرض») في بحوث التوليفيين الفرنسيين مثل المصوّر كوبكا والموسيقي أريك ساتي. يعتبر معرض «الجريمة والعقاب» في متحف أورسي من أبرز ثمرات هذا البرنامج، هو العنوان المستعار من رواية ديستوفسكي المعروفة والمستمر حتى نهاية حزيران المقبل. معرض مثير لأنه ينبش الالتباس القضائي حول حق الإنسان في معاقبة الإنسان بالإعدام، وانعكاس هذه الإشكالية في تاريخ التصوير الفرنسي، مع العلم أن تحقيق إلغاء عقوبة الإعدام في عهد الرئيس ميتران عام 1981 كان ثمرة المطالبة به منذ الثورة الفرنسية، ونذكر رسوم فكتور هوغو المتحمس لمشروع هذا الإبطال، واحدة منهن في المعرض لرأس مقطوع داخل زنزانة إعدام (لوحة ورقية منجزة بمائيات اللافي)، يحضرني رأي إميل زولا ان الإنسان مشروط بالبيئة وفاقد الاستقلال عند تحوله إلى الجريمة بخاصة وهي رد فعل انتقامي. تستعيد لوحات المعرض صور الرعب والجنس، السجن والإعدام ابتداء من لوحة جيريكو ذات الجثة المقطعة إلى أوصال من الأيدي والأقدام وانتهاء بكرسي الإعدام الكهربائي لآندي وارهول مروراً بلوحة الاغتصاب لإدغار ديفا ولوحة أودلون رودون للرأس المقطوع ناهيك عن موضوعات شمشون وسالومي. من دون أن ننسى تخصّص دومييه في السخرية من جرائم القضاء ومحاولة سبر سيمياء المجرم في المحاكم، ناهيك عن الرعب التخيلي الذي أثارته مقصلة ماري أنطوانيت وانتحار مارا، فإذا ما راجعنا اللوحات الطباعية (الحفر بالمعدن وسواه) عثرنا على نماذج رهيبة من الإعدامات بالمشانق ما بين جويا والتعبيرية الألمانية (كروز)، بعض اللوحات خَلّدت مشاهد الاغتيال مثل اغتيال قاضي رودس عام 1817. تتعرض هذه الأعمال الفنية إلى العلاقة الملتبسة بين القاتل أو المجرم والمجتمع الجزائي.