شهدت العقود الأربعة الماضية تحولات كبيرة في المجتمع السعودي، من خلال تضخم عدد السكان، وتغيّر بنيته الاجتماعية والثقافية، وتطور طرق التفكير. كل هذه المتغيرات أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل المجتمع. الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع نالها من التغيير جانب كبير، إذ يؤكد اختصاصيو اجتماع في حديثهم إلى «الحياة» أن الأسرة السعودية تحولت من «أسرة ممتدة» إلى «أسرة نووية». ويقصد علماء الاجتماع بتحول الأسرة إلى «نووية»، أنها أصبحت أقرب إلى التفكك المكاني والتسلسلي، إذ باتت الأسرة الجديدة «مستقلة» تبتعد عن جذرها الأساس، وهو ما يولّد على حد قولهم الكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل تفكك الأسر وتباعدها، ويضعف العلاقة بين الأب وأبنائه والجد وأحفاده، كما يسهم هذا التحول في رفع نسب الطلاق وتفشي الخلافات العائلية. ويعزو الاختصاصيون هذا التحول إلى تطور العصر وتغيّر الأحوال الاقتصادية واختلاف التفكير لدى الأجيال الجديدة، كما اتفق بعضهم على أن هذا التحول يحمل معه أموراً إيجابية، مثل اعتماد الأبناء على أنفسهم في حل بعض مشكلات الحياة التي تواجههم. ويؤكد الاختصاصي في علم الاجتماع إحسان طيب أن التقدم المدني الحديث وجّه ضربة لشكل الأسرة الممتدة، وحولها إلى نووية، مشيراً إلى أن الكثير من الشباب يميلون للاستقلالية، في وقت أصبح الكثير من الآباء والأمهات اليوم غير قادرين على العطاء والاحتواء وصب الحنان الكبير على أبنائهم، «فالكل يحاول جاهداً أن ينأى بنفسه ويهتم بأموره، استجابة لأفكار العصر». ويشير إلى أن طبيعة التطور العمراني أيضاً لها دور كبير في ذلك، «فبعدما كانت المنازل كبيرة تتسع لجميع أفراد الأسرة، أصبحت الأسر تسكن منازل صغيرة، لا تتسع إلا لبضعة أفراد». ويلفت إلى أن هذا التحول يحمل معه سلبيات، كتباعد الأسرة وتفكك الروابط بين أفرادها، فالبعد عن الآخر يجعل الأسر مفككة، لكنه يؤكد وجود إيجابيات للأسرة النووية، وإن كانت قليلة، وهي تكمن في تكوين شخصية الشاب والشابة واعتمادهما على أنفسهما، إذ إن استقلاليتهما تتيح لهما فرصة التعرف على الحياة بشكل أكبر ومحاولة تفادي العقبات التي قد تواجههما، وبهذا تكون الاستقلالية مفيدة لهما. من جانبه، يفند أستاذ علم الاجتماع جمال الطويرقي أسباب التحول، ويؤكد أن من أهمها الأوضاع الاقتصادية: «الأسر اليوم لا تستطيع أن تتحمل نفقات الحياة التي تزيد يوماً بعد يوم، كما أن بعض النساء اليوم لا يحبذن البقاء مع أهل الزوج، وهذا أيضاً من العوامل التي أسهمت في تفكك الأسرة».وأضاف الطويرقي أن هذا التحول أدى للكثير من المشكلات الاجتماعية، ومنها كثرة الطلاق والعقوق، «فالطفل يكبر وهو لا يعرف قيمة الترابط الأسري، ويشاهد الأب لا يهتم بزيارة أهله والاهتمام بهم أو بأخذ رأيه في أمور حياته، وبهذا تتكون لدى الأطفال الكثير من العادات السيئة، ومنها عدم الاهتمام بالترابط الأسري». ولفت الطويرقي إلى أن الاستقلالية ليست شيئاً سيئاً إلى هذه الدرجة، إذ إنها تولد لدى الشخص الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على نفسه في حل المشكلات التي تواجهه في الحياة.