ما هو العنف؟ عند الدول الغربية تم تحديده وتعريفه بوضوح ونحن ما زلنا نعاني ونكافح لنضع تعريفاً محدداً له. فالموضوع اختلف فيه المختلفون وضحايا الثقافة والتربية الصارمة الذين لا يزالون يعتبرون أن ضرب الأب والأم لأطفالهما هو نوع من التأديب، وعندما تجادلهم عن الضرب وتستشهد بأسوتنا وحبيبنا رسول الله الذي لم تمتد يده يوماً ما على طفل أو امرأة أو خادم، يستشهدون بالحديث الشريف «واضربوهم»، وعندما تسألهم عن كيفية الضرب الذي يمكن أن يكون تأديباً «يتجاهلون سؤالك بجملة واحدة»: هل يمكن أن تكون أحنَّ على الأطفال من آبائهم وأمهاتهم «أنت وفريق الدفاع عن حقوق الطفل والمرأة وغيرهم»، أجيبهم بقضية غصون وأريج ورهف وشرعا وكلثوم وبلقيس وغيرهن، وربما آخر الضحايا الطفلة التي ضربها والدها في الدمام حد الإغماء ونقلت إلى المستشفى الأهلي، لأن الأب خاف أن يذهب بها إلى مستشفى حكومي، بحسب إفادة الأم خوفاً من تقديم بلاغ ضده، ولأن السيد على خلاف مع والدتها كما جاء في الخبر الذي نشر في صحيفة «الحياة» بتاريخ 31/2/2010. وفي التاريخ نفسه تطالعنا الصحف بوالد منع أحد أبنائه الثلاثة من أداء الاختبار ولم تفلح كل جهود الوساطة في حمله على تغيير رأيه الذي لا نعرف له سبباً حتى اللحظة! وقبل أشهر عدة قام أب بالإبلاغ عن ابنه بدعوى أنه عاق لمجرد أن الشاب وقف مع والدته لمحاولة منعه تزويج أخواته القصر من كهول «ضد رغبة الأم»! قد أتفهم جهل البعض ولكن لا أتفهم جهل بعض المتخصصين الذين يعتبرون دليل العنف الوحيد «رؤية الدماء وربما الجثث»، عندها فقط يتأكدون أن المعنف معنف «بحق وحقيقي» على قول المثل الدارج. وللمرة الخامسة تهرب الطفلة سارة من منزل والدها بعد أن نقلها لمدينة الرياض وبعد أن غيبها عن مدرستها إثر تكرار هروبها وبعد أن سلمتها له الجهات المسؤولة التي أوضحت في بيان لها أنها قامت بكل ما هو متاح لتغيير الوضع (الذي أراه ما زال قائماً)، مشكلتنا أننا نعتقد أن الأبناء «جماد» نستطيع تغيير بيئتهم التي تربوا فيها بشكل فجائي ولا نتوقع شعورهم بالغربة داخل بيئتهم الجديدة، الطفلة سارة تربت عند جدتها لوالدتها، ولم تهرب مرة واحدة ولم تبدأ حوادث الهروب والاختباء والانهيار إلا بعد أن تسلمها والدها، الوضع يحتاج إلى دراسة وتأهيل وتعاون وإشراك الجدة في جل موضوعها، ليس بحرمانها الفجائي من حضنها البديل (حلت محل الأم الغائبة عن الصورة)، بل بإدخالها في حياة الطفلة حتى تتمكن من التأقلم مع حياتها الجديدة بالتدريج. أختم مقالي هذا وأتمنى تعميم المعنى المقبول للعنف لدينا ليتم تعميمه على المدارس والمستشفيات الحكومية والأهلية كافة، لنتمكن من مساعدة هؤلاء بصورة مهنية... واعية... ومدروسة! [email protected]