يواصل الفنان عدلي رزق الله عطاءه الفني عبر معارض يحرص أن تكون أشبه بحالة إبداعية تجمع الفنانين والكتاب والمثقفين والشعراء حول الفن والإبداع، في ندوات ومناقشات مستمرة، تكون لوحاته المدخل للتلاقي، وسرعان ما تتسع الدائرة ليصبح الحاضرون في قلب الحالة الثقافية النشطة، وحيث يختلط السماع بالنظر، الرؤية بالوعي، وحيث يقبض كل مشارك على أسئلته الهاربة. أحدث «الحالات» الإبداعية للفنان عدلي رزق الله هو معرضه «الصعيدي والصعيديات» المقام في الأقصر ضمن احتفاله بعيده السبعين على طريقته، أي بإقامة «حالته» الإبداعية التي يحضرها المشاركون من كل الاهتمامات الأدبية، ويشارك هو فيها بلوحته ومشاكساته ونظراته الثاقبة ومتابعته الدؤوبة لما يجرى في الواقع الثقافي وما يروج من قضايا خلافية. في لوحات «الصعيدي والصعيديات» ثمة انعطافة لونية تبدو لمتابع عمل عدلي رزق الله، فالفنان الشغوف بتطويع الألوان المائية لتعبر عن حالات شفيفة ممسكاً بالضوء، تحول إلى مقاربة الرسوخ النحتي مستعيناً بكل العناصر الثقيلة التي توفر له التعبير عن عالم الصعيد. فهناك كتلة رصينة صماء تتوسط مجموعة «الصعيديات» دائماً تكتسب رسوخها من ملمسها النحتي الداكن وكأنها تنويع على سلويت لأبي الهول، حيث يوظف الفنان درجات من الأسود المختلط بحمرة قانية تملأ قلب اللوحة وتكسبها الرسوخ الذي ينشده. وعندما يريد الفنان أن يذكرنا ببللورياته التي اعتاد أن يمسك الضوء من خلالها، يأتي بالنخلة الشاهقة لتملأ تكوينه البللوري بالوجود الصعيدي المحاط بشمس الظهيرة الحارقة ويكاد ضوؤها ينفذ إلى ناظر للوحة، ويضعه على الفور في مواجهة مع ما اعتاد عدلي رزق الله أن يقدمه من مستويات شفيفة من الضوء تغوي الشعراء وتدفعهم إلى اعتماد منجزه مدخلاً إلى أعمالهم ودليلاً إليها. المرأة الصعيدية أيضاً تمثل ركناً أساسياً في معرض الفنان الذي تمسك طويلاً بالتجريد الذي يمتح من الشعر استعاراته، ومن التصوف علاقاته مع العالم، ومن الموسيقى تناغمها وتركيبها. وها هو يكاد يتخلى عن ملعبه الأكثر ألفة وإحكاماً ليدخل في أرض جديدة يبدو فيها التشخيص هو الغالب، اتجاهاً منه لصناعة أيقونة للمرأة الصعيدية وفق علاقات لوحاته المائية. تبدو المرأة الصعيدية في لوحات رزق الله التشخيصية امرأة مجنحة وفوق بشرية، حيناً، وحيناً تكتسب ملامح مريم العذراء، كما لو أنها تشخيص لإيزيس التي تجمع أشلاء أوزوريس في الأسطورة المصرية، إيزيس واهبة الحياة والحب والحافظة لهما، تظهر كما لو كانت تعبر اللوحة من حد إلى حد، وجودها ليس وجوداً مستقراً ساكناً بل وجود يهم بالفعل والحركة. ودائماً ما تدعونا من خلال نظراتها الوديعة إلى سرّ، هي الحاملة ملامح الأرض المزروعة والنخلات الباسقات والمهيأة للعطاء.