كنتُ أحب الليل كثيراً قبل أن يتقمص دور المُحقِق، الذي يستضيفني ويستبقيني لديه بكل أنواع الكافيين، كي يوجه لي أسئلته السخيفة. كم عزيزاً رحل؟ لا أود أن أفكر بهم، فهذا يستدعي بكائي. هل الموت أكثر سواداً مني؟ حين نزورهم لا تأتي الشمس معنا، يعيشون أسفل الأرض في ليلٍ دائمٍ بلا نجوم أو قمر يزين وحشته. ماذا لو أغمضتِ عينكِ وفشلتِ أن تفتحيها في الصباح، هل تتحملين الليل الطويل؟ سأطلب من حبيبي أن يختبئ حتى يرحل الجميع، ليثقب لي خرماً صغيراً، يدخل منه خيطٌ من خيوط الشمس كل يوم في الصباح، وفي المساء تقفز النجوم فوقه وتزورني أصغرهم، تلك القادرة على اجتياز الثقب الضيق، وحين يأتي الشتاء تتسلل قطرات المطر حتى تتكون بحيرة صغيرة أتسلى بالسباحة بها، لكنك لا تمتلكين حبيباً الآن! آه... صحيح، يجب أن أبحث عن حبيب لأخبره بهذا الأمر بسرعة. وماذا لو متِ قبل أن تحبي؟ لا... لا يمكن أن أموت من دون حب، فكيف يسعد الموت بانتصاره إذا لم يأخذني من حضن أحدهم! ربما يفعلها الآن وأنتِ تمرين بعينك فوق تلك الكلمة القادمة؟ عبرت صفحة كاملة ولم يأتِ، دعني أكمل الرواية التي أقرأها بدلاً من الأسئلة. وماذا لو متِ قبل أن تنهي القراءة؟ ربما أجد من يكمل ليحكيها هناك. وهل تظنين أن تجدي أحداً هناك؟ لو ذهبت ووجدتني وحيدة سأحكي لنفسي الحكايات. وماذا لو ذهبتِ ووجدتِ نفسك في العالم نفسه لكن في جسد آخر؟ ليتني أتحول إلى قنديل بحر «قمري» حينئذ، يعرف كيف يتعايش مع تلك الأشياء التي يفقدها، فإذا فقد أحد قوائمه، لا ينتظر أن تنبت له قائمة جديدة، لكنه يرضى ويبدأ في التأقلم مع الفقد، بإعادة توزيع قوائمه من جديد لتبقى المسافة بينهما متساوية، وكأنه لم يفقد شيئاً، لو كان بإمكاني أن أفعل مثله، أعيد ترتيب المسافات بين من تبقى من الأحِبَة، ليعوضوا فراغ من رحلوا، أوقفهم صفاً في قلبي، أخبرهم: رحل فلان وأحتاج منكم أن تعيدوا ترتيب الحب من جديد. ماذا لو تقفين أنتِ هنا وتمثلين دور جدتي، تحكين لي حكايات مكررة، وأنا لن أرفع صوت التلفاز ليغطي على صوتك كالعادة، سأنصتُ إلى كل الحكايات بعين ملتمعة كما لو أنكِ تروينها للمرة الأولى، ماذا لو تقف أنت هناك وتمثل دور أبي! تمنحني عيدية صباح كل عيد، وتأخذني في حضنك حين أبكي وأنت تقسم أن ما من شيء في العالم يمكن أن يقترب مني هنا... هل تبكين؟ أشتاق لهم. هل ترغبين في الذهاب إليهم؟ لا أعرف. أخاف. لماذا لا يعودون إلى هنا؟ تعرفين أن الأمر مستحيل. أعرف. ماذا لو لم يكن الأمر هناك مثل هنا؟ أرجوك كفى. دعنا هنا الآن ولا نفكر في هناك؟ لكنك تعرفين أن هناك سيحدث يوماً ما؟ لا أتحمل كل هذا الضغط، أتهربين من الحقيقة! أنا منهارة تماماً وأرغب في النوم. تهربين إذن؟ أود النوم حقاً لكني سأقاوم بجرعة كافيين أخيرة، حتى أشاهد الصباح يلتهمك على مهل.