وجه الناخبون الفرنسيون انذاراً بالغ الحدة الى كل القوى السياسية في فرنسا وإلى اليمين الحاكم تحديداً، بامتناعهم عن التصويت بنسبة قياسية في الدورة الأولى من انتخابات المجالس الإقليمية التي أجريت الأحد. وبلغت نسبة الممتنعين عن التصويت 53.5 في المئة من أصل 44 مليون ناخب، ما عكس غياباً في التعبئة ان لم يكن عدم اكتراث من جانب الغالبية الساحقة من الناخبين. وكان وقع «المقاطعة» أقل حدة على المعارضة اليسارية منه على «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» الحاكم، خصوصاً بعدما عكست النتائج النهائية لهذه الدورة الانتخابية اسوأ نتيجة لحزب حاكم في تاريخ الجمهورية الخامسة اذ لم يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها نسبة ال 27 في المئة. وحل الحزب الاشتراكي المعارض في المرتبة الأولى لجهة نسبة الأصوات بحصوله على 29.5 في المئة، وحل أنصار البيئة في المرتبة الثالثة بنسبة 12.5 في المئة، ما شكل تراجعاً لهم مقارنة بالنتائج التي أحرزوها خلال انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. وسجلت شعبية «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) انتعاشاً ملحوظاً، تمثل بحصول الجبهة على 11.7 في المئة من الأصوات، في حين ان استطلاعات الرأي المختلفة التي سبقت الانتخابات لم تعط الجبهة أكثر من نسبة 4 في المئة. وشهد حزب «الحركة الديموقراطية» (الوسط) تدهوراً انتخابياً جديداً اذ اقتصرت نسبة ناخبيه على 4 في المئة، فيما توزعت الأصوات بين الأحزاب اليسارية الصغيرة بنسبة 6.2 في المئة لجبهة اليسار و2.4 في المئة للحزب الجديد المناهض للرأسمالية و1.3 في المئة للنضال العمالي، وذهبت نسبة 5.4 في المئة الى قوى ومرشحين متفرقين. وتلت صدور هذه النتائج تصريحات متعددة ادلى بها مسؤولون في اليمين الحاكم، عملوا على التقليل من شأنها، مؤكدين ان الأسبوع الذي يفصل بين الدورتين الأولى والثانية (الأحد المقبل) سيتم استغلاله لتعديل الأوضاع. وفي هذا الإطار، دعا رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» جان فرانسوا كوبيه الممتنعين عن التصويت في الدورة الأولى، الى التوجه الى صناديق الاقتراع الأحد المقبل، والإدلاء بأصواتهم لمصلحة مرشحي اليمين الحاكم لئلا يتولى الحزب الاشتراكي رئاسة مختلف المجالس الإقليمية. ويذكر ان الاشتراكيين يسيطرون على 22 من أصل 24 مجلساً اقليمياً، منذ الانتخابات السابقة، ما جعل اليمين الحاكم يراهن على توسيع نطاق سيطرته على أكثر من مجلسين اقليميين يرأسهما حتى الآن. في المقابل، فإن الاشتراكيين راهنوا على توسيع سيطرتهم بحيث ينتزعون من اليمين الحاكم المجلسين التابعين له، وهو ما لا يبدو صعب المنال نظراً الى التحالفات التي يعمل الحزب الاشتراكي على ابرامها مع أنصار البيئة والأحزاب اليسارية الصغيرة، استعداداً للدورة الثانية. ولدى الحزب الاشتراكي هامش من التحرك وقدرة على تجيير الأصوات غير متوافرين لدى اليمين الحاكم الذي لن يستفيد على هذا الصعيد سوى من تجيير بعض أصوات الجبهة الوطنية لمصلحته. وعلى رغم تأكيد رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيون ان كل الاحتمالات تبقى مفتوحة بانتظار الدورة الثانية، فإن الفوز المتوقع لليسار، سيضع الفريق الحاكم في فرنسا أمام مفترق فائق الجدية يترتب عليه الكثير من العبر والاستنتاجات على صعيد السياسات التي اتبعت منذ تولي الرئيس نيكولا ساركوزي الحكم عام 2007.