العلوم الإسلامية هي حصيلة امتزاج ثقافات أمم واختلاط مع حضارات مثل اليونان وإيران والهند. وقد اعترف العرب بعلوم الهند وفنونها وحكمتها منذ زمن سحيق، وأشادوا بوفرة أرضها بالعقاقير والتوابل، وشهد لها المؤرخون من أمثال المسعودي بالحكمة والصلاح، وتحدث الجاحظ عن بهائمها العجيبة مثل الفيل والببر والكركدن. تسربت إلى اللغة العربية مفردات هندية أشهرها اسم «هند» الذي ساد، وثمة أسماء أخرى معرّبة مثل بروص وهو اسم بلد (بهروتش) و(النيلج) وهي معربة بنيل التي تعطي اللون الأزرق والقرمز وأصلها (كرمج) والموز وأصلها (موشه) والفوطة أصلها بوت و(النارجيل) وهي معربة ناريل والعود أصلها (اود) والفلفل وأصلها(ببلي) و(الجوزابو) أصلها الهندي (جاي بهل) والقرنفل أصلها (كنتك بهل) والكافور أصلها (كيبور) والزنجيبل أصلها (زنرنجابيرا) والرخ أصلها (رته) وغيرها مثل الرند والهرد والفالج والفيل... وأشهر القصص الهندية الشائعة عربياً هي «كليلة ودمنة» التي نالت قبولاً كبيراً واسمها الهندي (بيدبا وبيل با) والتي صنفها الحكيم البرهمي بيدبا للحاكم دبشليم بالسنسكريتية ثم قام البرهمن برزويه بترجمتها إلى اللغة البهلوية ثم ترجمها عبدالله بن المقفع إلى العربية وأضاف إليها أبواباً ثلاثة هي: باب ملك الجرذان وباب مالك الحزين والبطة وباب الحمامة والثعلب ومالك الحزين مع أبواب فارسية أضيفت إليها في الترجمة البهلوية المعزوة إلى بزرجمهر وباب برزويه الطبيب. وقد احتذت بنص «كليلة ودمنة» كتب عربية مثل كتاب «ثعلة وعفرة» لسهل بن هارون، و «القائف» لأبي العلاء المعري، و «الصادح والباغم» لابن الهبارية، وكتاب «سلوان المطاع في عدوان الطباع» لابن زهر و «كتاب كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار» للمقدسي، وكتاب «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» لابن عرب شاه، وكتاب «الأمثال المنظومة» للنقاش، وكتاب «الأسد والغواص» (بلا مؤلف)، وكتب «سير الملوك»، وثمة ترجمات أخرى قام بها عبدالله بن هلال الاهوازي، وسهل بن بنوبخت وأبان بن عبدالحميد وترجمة ابن الهبارية وترجمة القاضي اسعد بن مماتي المصري وترجمة رودكي وترجمة الكاشفي وترجمة عبدالواسع عيسى. وقصص «السندباد» ولها جزءان صغير وكبير، وسبب اختلاف نسبته إلى الهنود أو الفرس هو نقله إلى الفارسية باكراً، ومن القصص الهندية قصص «بوذا سف وبلوهر» واسمها الهندي (بودهي ستوبردهيتر) الذي يتحدث عن سيرة بوذا وكتاب «منطق الهند» الذي عدّه ابن النديم في كتب القصص والحكايات وكتاب «شاناق» الهندي (جانك) ويشتمل على أبواب خمسة في الأخلاق والآداب. ومن الكتب الأخرى «كتاب البلد» وكتاب «أدب الهند والصين» وكتاب «ساويرم». ويورد ابن قتيبة بعض الأمثال الهندية في كتابه «عيون الأخبار» مثل: عدل السلطان انفع للرعية من خصب الزمان. شر المال ما لا ينفق منه وشر الأخوان الخاذل وشر السلطان من خافه البريء. وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن. ومن أشهر حكماء الهند «كنكا» الذي حذق في الطب، والطبيب صالح بن بهلة (اسمه صالت!) الذي عالج ابن عم هارون الرشيد والطبيب ابن دهن (ابندهن) وصنجهل الهندي (سنغهل). وقد ترجم العرب علوم الطب الهندي رسالة «سشرت سنها» التي تحتوي على أعراض الأمراض وأدويتها ورسالة «تشرك سنهتا» التي استفاد منها الرازي وكتاب «السموم» (شاناق) و «كتاب في علاجات النساء» وكتاب «توقشنل» وكتاب «ندان» و «كتاب في أنواع الحيات وسمومها»، وفي الرياضيات نقل العرب الأعداد الهندية من واحد إلى تسعة وبرع الهنود في علوم النجوم وأشهر كتبهم (برهم سد هاند) وكتاب «ارجبهذ» (الاركند) وكتاب «خندا خادياكا» وكتاب «براهمر» ويعتبر علم المواليد من فروع علم النجوم (جاتك) ومن الكتب التي تمت ترجمتها إلى العربية (أسرار المواليد) لكنكا الهندي وكتاب له الاسم نفسه لغودر الهندي وكتاب (المواليد الكبير) لسنغهل. ومن أشهر العلماء المسلمين الذين عنوا بعلوم الهند أبو ريحان البيروني ومحمد بن إبراهيم الفزاري ويعقوب بن طارق وأحمد بن عبدالله حبش البغدادي ومحمد بن موسى الخوارزمي ومحمد بن اسحاق السرخسي وحسن بن حميد بن الاوحى وحسين صباح ومحمد بن اسماعيل التنوخي وعبدالله بن اماجور ومسلمة بن احمد. وثمة مجالات أخرى تأثر فيها العرب بالهنود مثل علم الكيمياء وفن الشعوذة وفن السحر والفأل والزجر وفن السياسة وفن الحرب والشطرنج (تشترانج؛ وتعني صاحب أربعة أعضاء) وضعها بيدبا طبيب دبشليم وأهداه إلى انو شروان كسرى وهي من أشهر ألعاب العالم. ولعبة النرد هندية الأصل قائمة على الجبر بعكس الشطرنج القائمة على الاختيار كما نقرأ في كتاب «المصادر الهندية للعلوم الإسلامية» للسيد قيصر الامروهوي في ترجمة اورنك زيب الاعظمي (دار الفكر – دمشق – 2010)