يسعى منتدى الاستقرار المالي إلى إعادة تأهيل مهماته تماشياً مع نتائج قمة مجموعة العشرين مطلع نيسان (أبريل) الجاري، التي أقرّت بأن يتحوّل إلى «مجلس الاستقرار المالي»، فبدأ المشرفون عليه يطوّرون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم للمساهمة في تحقيق الاستقرار المالي العالمي، وتفادي حصول انهيارات عنيفة تنعكس على البورصات والبنوك المركزية على السواء. وتعهد المنتدى، مقره في بازل شمالي سويسرا، مراقبة تطور الأوضاع في الأسواق العالمية وتقديم المشورة في شأن تطوراتها وآثارها التنظيمية والسياسية، مع رصد الاستشارات وتقديمها في شأن أفضل المعايير التنظيمية، واستعراض استراتيجية مشتركة للعمل لوضع سياسات دولية تضمن التنسيق بين مؤسسات المال العالمية وتحديد أولويات الموضوعات الملحة والتدخل في الوقت المناسب، مع التركيز على ما يصفه الخبراء ب»الثغرات في الأداء التكاملي لتلك المصارف». يعمل منتدى الاستقرار المالي حالياً، مستنداً في شرعيته إلى دعم حكومات الدول الصناعية الكبرى، على وضع مبادئ جديدة لتأسيس هيئات الرقابة والمتابعة المالية والإشراف عليها، وإدارة تخطيط للطوارئ والأزمات على نطاق دولي، لاسيما في ما يتعلق بالشركات الكبرى المتعددة الجنسية، وضرورة التعاون مع صندوق النقد الدولي لإنشاء آلية تشبه «الإنذار المبكر» لما يمكن أن يحدث من أزمات، لاسيما التي تتخذ بُعداً دولياً. وأصدر مؤخراً توصيات تصب في ثلاثة محاور أساسية، أولها يتعلق برأس مال مؤسسات المال والثاني يعالج مشكلة التمويل والسيولة المالية، في حين يركز الثالث على آليات المراجعة. وتهدف التوصيات إلى التخفيف من انتقال الصدمات المالية بين قطاعات مختلفة ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة، مع إعادة النظر في آليات المراقبة وأوجه التعاون بين المؤسسات المالية الدولية. رأس المال فعلى سبيل المثال، يشير المنتدى إلى ضرورة قيام «لجنة مراقبة المصارف» التابعة لبنك التسويات الدولي في بازل بخطوات مهمة، من بينها تعزيز إطار تنظيمي لرأس المال ليرتفع مستواه ونوعيته في الأنظمة المصرفية أثناء فترات الثبات الإقتصادي القوية، وبالتالي يمكن استخدامها في أزمنة التوترات المالية والإقتصادية. كما تجب إعادة النظر في استراتيجيات التعرف على أخطار السوق وخططها في إطار اتفاقية محدّدة، ويجب على اللجنة ربط متطلبات أخطار رأس المال بمعايير بسيطة وآمنة للمساعدة في احتواء الضغوط على العمل المصرفي، على أن تكون تلك الخطوات في ظل معايير «بازل2»، ويُفترض، وفق التوصيات، أن يستخدم المشرفون آليات لجنة مراقبة المصارف للتأكد من مدى ملائمة رأس المال التنظيمي للبنك للوفاء بالمتطلبات المفروضة عليه. وينبغي على لجنة المراقبة رصد تأثير معايير «بازل2» بصفة مستمرة واقتراح التعديلات المناسبة في يتعلق برأس مال المصارف، إضافة إلى تقويم إمكانات المصارف لتغطية الأخطار من رأس المال، بما يتوافق مع تطورات السوق وادخال التحسينات المطلوبة في الوقت المناسب. ويتضح من التوصيات تمسّك اللجنة باتفاق معايير «بازل2»، على عكس ما يرى خبراء بأن الظروف الراهنة تقضي بإبرام اتفاق جديد وفق المعطيات التي طرأت بسبب أزمة المال والاقتصاد العالمية. السيولة ونسب المخاطر ويشير تقرير المنتدى إلى أن الإعتراف المبكر بإمكان التعامل مع نسب الماخطار، كان من شأنه التقليل من حجم الخسائر الهائلة التي منيت بها المصارف، ويخشى الخبراء من احتمال عدم القدرة على تسديد القروض التي سحبت قبل الأزمة. و في هذا السياق يوصي المنتدى باتخاذ أربع خطوات ، أولها يعتمد على قدرة «المجلس الدولي لمعايير المحاسبة المالية» على استصدار بيان بالمعايير المهمة التي يمكن أن تساعد في تحديد الخسائر المتعلقة بالقروض لاسيما التي يصعب تسديدها. والثانية تلزم المجلس ذاته وضع طرق بديلة لتحليل نظم المال وتقويم الخسائر مسبقاً، من خلال الحصول على معلومات إئتمانية أفضل وأوفر، ما يتطلب إدخال تعديلات تقنية على آلية عمله. وتفرض، التوصية الثالثة، أن يستعرض المجلس آليات اتفاقية «بازل 2» لوضع الأحكام المناسبة لخسائر القروض وابتكار الآليات التي تساعد على التقليل منها. لكن الأهم، بحسب المحور الثالث، تقويم تأثير التطورات المالية على تمويل الديون القصيرة الأجل، وقابلية تسويق الأصول على نطاق واسع، وكيفية زيادة اجمالي السيولة اللازمة والأدوات التي تساعد المراقبة وتعززها إذا لزم الأمر. وينبغي على السلطات استخدام المؤشرات الكمية وأدوات الإشراف سواء في المؤسسات الخاصة أو المصارف التي تتعامل مع كبار رجال الأعمال، وتجب تالياً عليها إعادة النظر في تطبيق المعايير المتبعة لمراقبة سوق أوراق المال وتمويل الصفقات، مع وضع معايير محاسبية دقيقة واستخدام آليات تقويم الاحتياطات والتوصل إلى تسويات عاجلة لقيمة الصكوك المالية التي يتبين ضعفها. كما يُفترض أن تطلق لجنة بازل بحثاً مشتركاً لقياس التمويل والسيولة والأخطار المرتبطة بالتحولات التي يمكن أن تتزامن مع مسار العمليات التمويلية، ما يسهل في تحديد أخطار السيولة في النظام المالي. لكن تطبيق التوصيات يتطلب تعاوناً من بنك التسويات الدولي وصندوق النقد الدولي، بحيث تجب إتاحة المعلومات للسلطات المعنية، والتحذير في الوقت المناسب من عدم تطابق منظومة التمويل مع الإستقرار المالي العالمية. وللوصول إلى الهدف يجب على السلطات استخدام ما وصفها المنتدى «المؤشرات الكمية» كدليل تُمكن الاستعانة به لرصد السياسات على القيود المفروضة. التغيرات الطارئة يعترف المنتدى بأن النظم المالية شهدت في الآونة الأخيرة ضغوطاً على الديون قصيرة الأجل وعملية تسويق الأصول وتطبيقات القيم المحاسبية داخل مؤسسات المال، ما ترك آثاراً يجب دراستها بعناية ومعرفة مدى سلبيتها. ويأتي هنا، بحسب المنتدى، دور واضعي المعايير المحاسبية والمشرفين، في درس التغيرات الطارئة على إجراءات تقويم المعاملات المالية الدولية، من خلال تعزيز استخدام المعايير القياسية ودرس مدى مواكبتها للأساليب التي يتبعها وسطاء قروض الائتمان، إلى جانب آلية التحويلات بين مختلف الأصول المالية، وتبسيط متطلبات المحاسبة المتعلقة بصناديق التحوط. وتعود فكرة تأسيس المنتدى إلى عام 1998 حيث أعرب وزارء مال الدول الصناعية السبعة ومحافظو مصارفها المركزية، عن رغبتهم في استحداث آلية لمراقبة التعاون الدولي بين مؤسسات المال العالمية المهمة وهيئات المراقبة المالية والإقتصادية. وعقد أول اجتماعاته في العاصمة الأميركية واشنطن في 14 نيسان (أبريل) 1999، في حضور ممثلين عن الدول الصناعية السبع الكبرى والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولي ومنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية وإلى جانب وفدين رسميين من سنغافورة وهونغ كونغ.