الهبّات الساخنة هي إحساس يتأرجح بين الشعور العابر بالدفء والشعور بالاحتراق، وهي شكوى شائعة، خصوصاً في العيادات الجلدية والداخلية والأسرية. وظاهرة الهبّات الساخنة معروفة منذ أمد بعيد، وتسمى بالإنكليزية «فلش»، وأول من وصفها بهذا الاسم هو الدكتور تلت عام 1882. والهبّات الساخنة رد فعل طبيعي ناتج من زيادة الجريان الدموي الجلدي بسبب التوسع الوعائي العابر، وهي تترافق مع ظهور بقع حمر، وتميل الى الحدوث في القسم العلوي من الجسم الذي يشمل الوجه والعنق وأعلى الصدر والأطراف العلوية. وتأتي الهبات الساخنة على شكل نوبات أو في شكل مستمر. والهبّات الساخنة عارض بارز في سن اليأس، إذ تشاهد لدى 50 الى 80 في المئة من النساء اللواتي حدث لديهن انقطاع طبيعي في الطمث. وتصاحب الهبّات الساخنة زوبعة من العوارض المزعجة مثل التعرق الذي يميل الى الحدوث ليلاً ويكون أحياناً غزيراً كالمطر، وحس الاحتراق، والتعب، والتوعك، والخفقان، وعدم الراحة، والصداع، والدوار، وسرعة الغضب، وآلام العضلات والمفاصل، وضيق التنفس، وتعرق اليدين، واضطراب في النوم. وتحدث الهبّات على شكل نوبات تدوم الواحدة منها من 30 ثانية الى خمس دقائق، وقد تتكرر النوبات حتى عشرين مرة في اليوم، ويساهم في تحريضها أحياناً الدفء والمشروبات الحارة والكحوليات والنشاط الذهني. إن آلية الهبّات الساخنة في سن اليأس ما زالت غير مفهومة كلياً، ولكن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو ان التبدلات الهورمونية الملازمة لتلك السن ضالعة في القضية. وفي محاولة من العلماء لفهم فيزيولوجيا الهبّات الساخنة قام الدكتور روبرت فريدمان ورفاقه من كلية الطب في جامعة وين الأميركية بقياس حرارة الجلد ودفق الدم ونبض القلب والتعرق عند النساء في سن اليأس قبل وأثناء وبعد حدوث الهبّات، فخلصوا الى نتيجة مفادها أن اللواتي يعانين من الهبّات الساخنة يملكن قدرة تحمل اقل لزيادة طفيفة في درجة حرارة الجسم الداخلية فتكون النتيجة توسع الأوعية الدموية وزيادة تدفق الدم وارتفاع حرارة الجسم فيأخذ الأخير بالتعرق لتبريد نفسه، ويعتقد البحاثة ان السبب ربما يرجع الى ارتفاع مستوى مادة «نورايبينفرين» في الدماغ عند النساء اللواتي عانين من الهبّات الساخنة مقارنة بأخريات لم يعانين منها، وقد يكون هبوط مستوى الهورمون الأنثوي «الأستروجين» هو الدافع الذي يزيد من تركيز تلك المادة. وتفيد المعالجة الهورمونية التعويضية للنساء في سن اليأس بلجم الهبّات الساخنة، بل انها تعتبر المعالجة المفضلة، فمتى أوقفت عادت الهبّات من جديد، وقبل الشروع في مثل هذه المعالجة لا بد من الأخذ في الاعتبار المضاعفات التي يمكن ان تنتج منها. وبالطبع فإن اتباع بعض النصائح يتيح المجال في التخفيف من حدة وشدة الهبات الساخنة والعوارض المرافقة لها ومن بينها: تفادي الكحوليات والمشروبات المنبهة كالقهوة والشاي، والتوقف عن التدخين، والحذر من الأطعمة المبهرة بكثرة، والإكثار من الخضروات الورقية الخضراء والحبوب والفواكه، والتقليل من تناول المواد الدسمة والنشويات، ووضع الصويا والعدس والحمص على لائحة الوجبات لأنها غنية بالهورمونات النباتية الشبيهة بالاستروجين، وارتداء الألبسة الفضفاضة، والنوم في غرفة جيدة التهوئة وعدم اللجوء الى استعمال أغطية دافئة جداً وتجنب الأجواء الحارة... في المختصر يجب التأكد من إزالة أي سبب خارجي يمكنه أن يسبب ارتفاع الحرارة. يخطئ من يظن ان سن اليأس هو الوحيد الذي يسبب الهبات الساخنة، بل هناك أسباب عدة يمكنها أن تقف وراء هذه الهبات، ومنها: المشروبات الروحية، وينتج من هذه المشروبات مركب اسمه «اسيت ألدهايد» يعتبر محرضاً قوياً للهبات الساخنة، وفي الحالة العادية يتم استقلاب هذا المركب بواسطة خميرة اسمها «الدهايد ديهيدروجيناز»، غير ان بعض الأشخاص، خصوصاً من الآسيويين تنقصهم تلك الخميرة لذا يتراكم مركب «اسيت الدهايد» عندهم مسبباً إطلاق العنان لهبات ساخنة شديدة. ونقص الخميرة المذكورة قد يكون خلقياً أو مكتسباً. الحمى، وهي من الأسباب الشائعة للهبات الساخنة خصوصاً عندما تترافق مع التعرق الليلي. وتنتج الحمى من أسباب انتانية وغير انتانية، ومن الضروري البحث عن العامل المسبب للحمى من اجل علاجه وبالتالي التخلص من الهبّات الساخنة. احمرار الجلد السليم، ويترافق هذا الاحمرار مع الهبات الساخنة. وتلعب الانفعالات والتمارين الرياضية وتبدلات درجة حرارة الجو والأطعمة المنكهة دوراً محرضاً. ويشاهد الاحمرار الجلدي السليم لدى النساء أكثر من الرجال. الأمراض العصبية، ان بعض الأمراض العصبية مثل داء باركنسون، والصرعة، والصداع النصفي، وداء التصلب المتعدد، وآفات الحبل الشوكي، يمكنها ان تسبب الهبّات الساخنة. الأمراض النفسية، ان حالات القلق ونوبات الهلع قد تترافق مع هبات ساخنة، وتشاهد هذه عادة عند الشابات. داء الخلية البدينة (ماستوسيتوز)، وهو سبب مهم للهبّات الساخنة، ويحدث الداء بسبب غزو الأنسجة بأعداد هائلة من الخلايا البدينة. ويصاب الأطفال أكثر من البالغين بهذا الداء. وتقوم الخلايا البدينة بتحرير طائفة من المركبات التي تعمل على توسيع الأوعية الدموية فتسبب الهبات الساخنة الى جانب عوارض كثيرة مثل الاندفاعات الجلدية، وهبوط ضغط الدم، وسرعة دقات القلب، والمغص، والإسهال، والتعب، الى جانب عوارض عصبية ونفسية. الصدمة الاستهدافية، وهي حالة حادة من فرط الحساسية تنتج من رد فعل مناعي عنيف للجسم تجاه أحد مثيرات التحسس. ويمكن هذه الصدمة ان تثير الهبّات الساخنة الى جانب زوبعة من العوارض المهددة للحياة والتي تتطلب تدخلاً علاجياً سريعاً. الأورام، مثل سرطان الغدة الدرقية، وسرطان البانكرياس، وسرطان الكلية، وسرطان القصبات، متلازمة الكارسينوئيد وورم القواتم (للغدة فوق الكلية). بعض الأدوية. تضيق الصمام التاجي للقلب. التسمم بالزرنيخ. الاستئصال الجزئي أو الكلي للمعدة. نقص هورمون الأندروجين عند الذكور. إن معظم حالات الهبّات الساخنة ينتج من أسباب بسيطة شائعة يمكن التعرف عليها بسهولة مثل الحمى وسن اليأس واحمرار الجلد السليم، في المقابل هناك حالات من الهبّات الساخنة تتطلب دراسات شعاعية ومخبرية ونسيجية من أجل كشف النقاب عن الأسباب التي تقف وراءها. في الختام لا بد من الإشارة الى دراسات نشرت في الفترة الأخيرة لفتت الى إمكان أن تكون الهبات الساخنة لدى بنات حواء علامة خطر قد تنذر باضطرابات في القلب والأوعية الدموية في المستقبل، ففي هذا الإطار رصد العلماء جملة من التغيرات عند النساء اللواتي شكين من الهبّات الساخنة التي طالت فترتها عندهن مقارنة بغيرهن، مثل زيادة التكلس في صمام الشريان الأبهر، وقلة توسع الأوعية الدموية عند زيادة التدفق فيها، وارتفاع مستوى الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة مؤشر كتلة الجسم، ان كل هذه التبدلات تخلق الفرصة المناسبة لاستيطان الأمراض القلبية والدماغية الوعائية، من هنا ينصح البحاثة النساء اللواتي قطعن مرحلة سن اليأس وما زلن يعانين من الهبّات الساخنة ان يعرن اهتماماً لمراقبة أرقام ضغط الدم، ومستوى الكوليسترول، والوزن، وأن يمارسن التمارين الرياضية.