أسدى رئيس الكونغرس، الجمهوري المستقيل جون باينر، خدمة جليلة إلى عضو الكونغرس الذي سيخلفه، بول ريان، والرئيس باراك أوباما، والاقتصاد الأميركي عموماً، بموافقته على اتفاق حول الموازنة السنوية، يتضمن رفع سقف استدانة الحكومة حتى العام 2017. ولا شك في أن السبب الذي مكّن باينر من هندسة الاتفاق حول الموازنة مع قادة الحزب الديموقراطي في الكونغرس، هو إعلانه الاستقالة من منصبه وخروجه إلى التقاعد نهاية تشرين الثاني (نوفمبر). وعلى رغم موقعه كمشرّع جمهوري يميني، تعرض باينر إلى ضغوط كبيرة من أقصى اليمين في الحزب الجمهوري، خصوصاً إثر توصله إلى الاتفاق السابق لرفع سقف الدَين عام 2013 مع الديموقراطيين، وبمعونة أصواتهم التي تشكل أقلية في مجلس النواب. ومنذ ذلك التاريخ، اعتبر اليمينيون المتشددون أن باينر طعنهم في الظهر بمنعه الحكومة الأميركية من التخلف عن تسديد ديونها وموافقته على رفع سقف الاستدانة، وقرروا الإطاحة به، فاستبق الأخير حركتهم بإعلانه قبل أسابيع عزمه التقاعد. ومن شأن تأجيل أي مواجهة في الكونغرس حول الدَين العام أن تزيح عبء اليمين المتطرف عن كاهل خلفه المتوقع ريان، الذي انتقد طريقة التوصل إلى الاتفاق. وفجر أمس، أقر الكونغرس ذو الغالبية الجمهورية الموازنة التي تخدم لسنتين وتزيد النفقات الفيديرالية بنحو 80 بليون دولار وترفع سقف الدَيْن وتقلل أخطار التعثر المالي حتى نهاية ولاية أوباما. وبعد سنوات من الخلافات والنزاعات حول النفقات الحكومية، يمهد إقرار الموازنة لفترة من الهدوء تستمر إلى ما بعد انتخابات 2016 في هذا الملف. وبعد موافقة مجلس النواب الأربعاء على القانون، أقره أعضاء مجلس الشيوخ الجمعة بغالبية 64 صوتاً مقابل 35 صوتاً معارضاً، ويفترض الآن أن يوقعه أوباما. ومن شأن الاتفاق أن يؤمن ثباتاً للاقتصاد الأميركي، على الأقل حتى عام 2017، بالقضاء على فرص المناورات السياسية حول قوانين تمويل الحكومة ورفع سقف الاستدانة. وكانت الأموال المتوافرة في أيدي الحكومة الفيديرالية آيلة للنفاد الثلثاء المقبل، ما كان من شأنه أن يفرض «إغلاق الحكومة» على مستوى الوكالات غير الأساس، أي أن الحكومة تقفل أبواب مؤسساتها وتمتنع عن تسديد مرتبات موظفيها، ما عدا هيئات الأمن والشرطة والإطفاء. ومع تفادي أي أزمات حول تسديد الحكومة ديونها ورواتب موظفيها، يكتسب الاقتصاد الأميركي ثباتاً يحتاجه في وقت يعاني الاقتصاد العالمي من الاهتزاز. أما الفائز الأبرز من اتفاق الحزبين على الموازنة فهو أوباما، الذي أمضى سنوات حكمه ما بعد 2010، أي منذ خسارة حزبه الديموقراطي الغالبية في مجلس النواب، وهو يخوض مواجهات مع الكونغرس، الذي سيطرت على إحدى غرفتيه غالبية جمهورية، حول قوانين تمويل الحكومة الفيديرالية ودَينها العام، البالغ 18.4 تريليون دولار. ويتمثل حفظ ماء الوجه لباينر في أن إلغاء جزء من «التخفيضات الإجبارية»، التي أقرها الكونغرس عام 2013 وبلغت 1.2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات، جاء في شكل إقرار زيادة في إنفاق الحكومة الفيديرالية بواقع 100 بليون دولار إضافية في العامين المقبلين، 56 بليوناً منها للشؤون الدفاعية، و40 بليوناً للشؤون المدنية. ويؤيد الجمهوريون، خصوصاً من اليمين المتطرف، زيادة الإنفاق العسكري في شكل غير مشروط، ما أعطى باينر مبرراً يلوح به للدفاع عن اتفاقه مع الديموقراطيين. واتفق الحزبان على فرض اقتطاعات على بعض برامج الرعاية الاجتماعية، خصوصاً تكاليف الضمان الطبي لأصحاب الدخل المحدود، على أن تدخل الاقتطاعات المصممة لتعويض الزيادة في الإنفاق بعد خمس سنوات من الآن، ما اعتبره الجمهوريون وعداً باقتطاعات لا يمكن التزام أي رئيس مقبل أو كونغرس مختلف ببنوده. ووسط التشكيك اليميني والهجوم على باينر، الذي لم يعد يكترث للحسابات السياسية بين المؤيدين أو المعارضين، هللت أكثرية الديموقراطيين للاتفاق. وكتب رئيس «المجلس الاقتصادي الرئاسي»، جايسون فورمان، في مطالعة، أن زيادة 100 بليون دولار في الإنفاق الحكومي في العامين 2015 و2016 تمثل 90 في المئة من الزيادة التي طلبها أوباما في مسودة مشروع الموازنة التي أرسلها إلى الكونغرس، لنيل الموافقة، الشهر الماضي. وأضاف أن من شأن زيادة الإنفاق الحكومي الأميركي أن تنعكس زيادة في النمو الاقتصادي بنسبة 0.3 في المئة في 2016. كذلك، من شأن زيادة الإنفاق أن تؤدي إلى خلق 300 ألف وظيفة العام المقبل، و550 ألف وظيفة عام 2017. واعتبر المعلق في صحيفة «واشنطن بوست»، جيم تانركسلي، أن الجمهوريين «أبدوا امتعاضهم من اتفاق يدفع الاقتصاد قدماً»، فقط لأن من شأن هذا الاتفاق أن يحسن صورة أوباما، الأمر الذي يرفضه اليمينيون حتى لو جاء ذلك على حساب صدقية حكومتهم وقدرتها على الاستدانة وعافية اقتصادهم عموماً.