دفع شقاق أثاره رد الفعل الأوروبي لوصول مئات الآلاف من اللاجئين فجأة البعض في بروكسيل للاعراب عن مخاوفه في شأن مستقبل الاتحاد الأوروبي. وأصبح الاتحاد الذي يضم في عضويته 28 دولة، ممزقاً بين التضامن والأمن في الوقت الذي تكافح فيه حكومات لمجاراة طوفان البشر الهاربين من الحرب والقمع في سورية وأفغانستان والقرن الافريقي وهو الطوفان الذي أثار عاصفة سياسية في كثير من الدول. وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية المسؤول عن تنسيق جهود الاتحاد الأوروبي في أزمة المهاجرين في مركز أبحاث «فريندز أوف يوروب» فرانز تيمرمانز «ما كان غير متصور من قبل أصبح ممكناً اليوم وهو تفسخ المشروع الأوروبي». ويقول بعض قدامى الخبراء في بروكسل ممن شهدوا أزمات سابقة كثيرة إن الإرتياب المتبادل بين حكومات الاتحاد الأوروبي بلغ مستويات تدعو إلى الإنزعاج. وفي حين تحض المستشارة الألمانية انغيلا مركل دول الاتحاد الأوروبي على فتح أبوابها وقلوبها للمهاجرين، يرى زعماء آخرون أن الأولوية القصوى هي للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين وترحيل من لا يسمح لهم باللجوء ودفع أموال لدول ثالثة حتى تبقي اللاجئين على أراضيها. ويتهم عدد من الشركاء في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم رئيس وزراء المجر فيكتور اوربان المستشارة الألمانية بالتسبب في تضخيم موجة المهاجرين، عندما قررت من جانب واحد في اَب (أغسطس) الماضي، قبول اللاجئين السوريين من دون تطبيق قاعدة أوروبية تلزم طالبي اللجوء بالتقدم بطلب اللجوء في أول دولة يصلون إليها من دول الاتحاد الأوروبي. ويقول مسؤولون ألمان إنها لم تفعل سوى الاعتراف بواقع إنهيار لوائح الاتحاد الأوروبي التي فرضت عبئاً ثقيلاً على اليونان وإيطاليا وإنّ الأمر كان يستلزم إستجابة إنسانية. ودفع الإقبال الشديد من اللاجئين على التوجه إلى المانيا عبر المجر رئيس الوزراء أوربان لاغلاق حدود بلاده مع صربيا وكرواتيا، ما أدّى إلى سلسلة من ردود الفعل من جانب الحكومات المضغوطة. وأدى ذلك إلى تكدس الآلاف في ظروف غير انسانية في دول غرب البلقان مع اقتراب فصل الشتاء. واشتد التأييد لأحزاب اليمين المتطرف التي تنشر المخاوف من الأجانب والاسلام والارهاب في فرنسا والنمسا والدنمرك والسويد وهولندا. واستغل المعارضون لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي الأزمة لدعم المطالبة بالتصويت للانسحاب منه في استفتاء من المقرر اجرائه. وتعارض حكومات في وسط أوروبا وشرقها مطالب من برلينوبروكسيل من أجل فرض حصص إجبارية من اللاجئين. وفي الداخل، تواجه ميركل ضغوطاً متزايدة في حزبها المحافظ لاغلاق الحدود الالمانية والحد من عدد المهاجرين. وخفضت حكومتها الامتيازات المخصصة لطالبي اللجوء وتعمل على التعجيل بترحيل من ترفض السلطات طلباتهم. وفتحت الأزمة الباب لتباين وجهات النظر بين مؤسسات الاتحاد الاوروبي، إذ تعتبرها المفوضية الاوروبية تحت رئاسة جان كلود يونكر تحدياً انسانياً على المدى البعيد لدمج اللاجئين في المجتمع الأوروبي. وعلى النقيض، فإن رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك رئيس وزراء بولندا السابق الذي يرأس القمم الاوروبية يصف موجة المهاجرين بأنها «تهديد» يجب «القضاء عليه» أو «احتواؤه»، لا سيما من خلال دفع أموال لتركيا لإبقاء اللاجئين السوريين على أراضيها. وانحاز توسك صراحة لمعسكر الأمن في كلمة ألقاها أمام زعماء يمين الوسط في مدريد الأسبوع الماضي عندما انتقد مركل في هجوم نادر وقال: «إن من يريدون الاتفاق على حصص اللاجئين قبل تأمين حدود أوروبا سذج». وأضاف توسك «لم يعد بوسعنا السماح بأن يتعادل التضامن مع السذاجة والصراحة مع العجز والحرية مع الفوضى. وبهذا أشير بالطبع إلى الوضع على حدودنا». وتابع «المواطنون يريدون أن يشعروا بالأمان مرة أخرى لأنهم عندها سيصبحون قادرين على مساعد المحتاجين». ويمثل طوفان اللاجئين تحديات عميقة للمجتمعات الأوروبية الثرية التي ترتفع فيها نسبة كبار السن والتي كانت تواجه صعوبات للتكيف مع العولمة والتعددية الثقافية. وهو يأتي في وقت حول فيه كثير من ناخبي الطبقة العاملة تأييدهم إلى اليمين المتطرف انطلاقاً من الإستياء من البطالة وإنخفاض مستويات المعيشة والهجرة. وفي حين أن بعض زعماء أوروبا يصورون موجة اللاجئين على أنها قضية موقتة يمكن الحد منها بفرض قيود أفضل على الحدود قال تيمرمانز «أسوأ شيء يمكن أن نفعله هو تصوير الأمر للناس أننا إذا اتخذنا هذه الاجراءات فستتوقف المشكلة. لا لن تتوقف. فستظل معنا على امتداد جيل». وحتى إذا تم التوصل لتسوية سلام في سورية وهو احتمال يبدو بعيداً فسيظل تحدي اللجوء والهجرة قائماً». وخلال مؤتمر حزب «الشعب الاوروبي» القوة المهيمنة بين حكومات الاتحاد الأوروبي وأكبر حزب في البرلمان الأوروبي، أثار أوربان تصفيق الحاضرين عندما ندد بسياسة الانفتاح التي تنادي بها مركل لأنها ستجذب «المهاجرين بسبب عوامل اقتصادية واللاجئين والمقاتلين الأجانب». وصور أوروبا على أنها «ثرية وضعيفة، وهذا أخطر مزيج ممكن». وعلى رغم أن كثيرين من الزعماء الأوروبيين قد يأسفون للأساليب التي يتبعها ولغة الخطاب التي يستخدمها، فهم يدركون تمام الادراك التحدي الذي تمثله الأزمة لبقائهم السياسي وللتعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي. وقال أوربان للحاضرين «أزمة الهجرة ستحدد مستقبل أسرتنا السياسية. نحن في مشكلة عميقة. فأزمة الهجرة قادرة على زعزعة استقرار الحكومات والدول بل والقارة الأوروبية».